وحكى الربيع أن الخلافة لما استوت لأَبى جعفر المنصور أمره أن يأتيه بجعفر بن محمد، فحاول ذلك مرارًا، ثم كرر الأَمر وقال: واللَّه لأقتلنه، فلما لم ير بدا من إحضاره ذهب إليه وبلغه أمر المنصور فقام مسرعًا، فلما دنا من الباب قام يحرك شفتيه ثم دخل فسلم فلم يرد عليه، ووقف فلم يجلسه ثم رفع رأسه إليه وقال: يا جعفر! أنت ألبت علينا وغدرت، وقد حدثنى أَبى عن أبيه عن جده أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ينصب لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة فقال جعفر: حدثنى أَبى عن أبيه، عن جده، عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: ينادى يوم القيامة من بطنان العرش ألا فليقم من كان أجره على اللَّه فلا يقوم إلا من عفا عن أخيه، فما زال يقول حتى سكن ما به ولان له فقال له: اجلس يا أبا عبد اللَّه ارتفع، ثم دعا بمدهن فيه غالية، فغلفه بيده والغالية تقطر من بين أنامل المنصور، ثم قال: انصرف أبا عبد اللَّه في حفظ اللَّه، وقال للربيع، اتبعه جائزته. قال الربيع: فخرجت إليه فقلت: يا أبا عبد اللَّه! أنت تعلم محبتى لك، قال: نعم أنت منا حدثنى أَبى، عن أبيه، عن جده، عن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: مولى القوم منهم وأنت منا فقلت: يا أبا عبد اللَّه! شهدت ما لم تشهد، وسمعت ما لم تسمع، وقد دخلت فرأيتك تحرك شفتيك عند الدخول عليه بدعاء، فهل هو شئ تقوله أو نؤثره عن آبائك الطيبين؟ قال: ليس من نفسى، ولكن حدثنى أَبى عن أبيه، عن جده: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا حزبه أمر دعا بهذا الدعاء، وكان يقال إنه دعاء الفرج. اللهم احرسنى بعينك التى لا تنام، واكنفنى بركنك الذى لا يرام، وارحمنى بقدرتك على، لا أهلك وأنت رجائى، فكم من نعمة أنعمت بها على قلَّ لك عندها شكرى، وكم من بلية ابتليتنى بها قَلَّ لك بها صبرى، فيا من قلَّ عند نعمته شكرى فلم يحرمنى، ويا من قل عند بليته صبرى، فلم يخذلنى، ويا من رآنى على الذنوب والخطايا فلم يفضحنى، أسألك أن تصلى على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم إنك حميد مجيد. =