للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صبب، وإذا التفت التفت جميعًا، خافض الطَّرف، نظرُه إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جُلُّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ (١) من لقيه بالسلام.

قلت: فصف لي منطقه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواصِلَ الأحزان، دائِم الفكرة، ليس له راحة، طويلَ السَّكتَةِ، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجَوَامِعِ الكَلِمِ، فصلًا لا فضُول فيه ولا تقصير، دمثًا، ليس بالجافي ولا المهين، يُعظِّم النعمة وإن دقَّت، لا يذم شيئًا، لم يكن يذمُّ ذواقًا ولا يمدحه، ولا يُقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفِّها كلها، وإذا تعجَّب قلَبها، وإذا تحدَّث اتصل بها، فضرَبَ بإبهامه اليمنى راحته اليسرى، فإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جُلُّ ضَحِكِه التَّبسُّمُ، يَفترُّ عن مثل حبِّ الغَمَامِ.

قال الحسن رضي الله عنه: فكتمتها الحسين بن على رضي الله عنهما زمانًا، ثم حدّثتُه، فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله، فلم يَدَع منه شيئًا.

قال الحسين رضي الله عنه: سألت أبي رضي الله عنه عن دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: كان دخوله لنفسه مأذونًا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جَزَّأ دخوله ثلاث أجزاء: جزءًا لله، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه، ثم جَزَّأ جُزءَه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة (٢)، ولا يدَّخِر عنهم شيئًا.


(١) وفي بعض الروايات: ويبدر، بالراء، وكلاهما صواب.
(٢) في الأصل: بالخاصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>