للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمته على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم، والأمة من مسألته عنهم (١) وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: "لِيُبَلِّغ الشَّاهدُ منْكُم الغَائِبَ، وبلِّغوني حَاجَة مَن لا يَسْتَطِيع إبلاغي حاجَتَهُ، فإنَّه مَنْ أبلَغَ سُلطانًا حاجةَ من لا يستطيع إبلاغها ثَبَّتَ الله قدميْه يوم القيامة" لا يذكر عنده إلا ذلِك، ولا يقبل من أحد غيره. قال في رواية سفيان عن وكيع: يدخلون روَّادًا ولا يتفرقون إلا عن ذواق، ويَخرجون أدلَّةً على الخير.

قلت: فَأخْبِرنِي عَن مَخرَجِهِ كَيفَ يَصنَعُ فيهِ؟ قَال: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْزَنُ لِسانَهُ إلا فيما يَعنيه، ويؤلِّفهم ولا يُفَرِّقهم، يكرم كريم كلِّ قوم، ويُولِّيه عليهم، ويحذَرُ الناس ويحترس منهم من غير أن يطويَ عن أحد منهم بِشْرَهُ وخُلُقَه، ويتفقَّد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسِّن الحسن ويصوِّبه (٢)، ويُقَبِّح القبيحَ ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغفُل مخافة أن يغفُلوا أو يَملُّوا، لكلِّ حالٍ عنده عَتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره، الذين يلونَهُ من الناس خيارهم، وأفضلُهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظَمُهم عنده منزلة أحسنُهم مواساة ومؤازرة.

قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجلس ولا يقوم إلا على (٣) ذكر، ولا يُوطِنُ الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلسُ، ويأمرُ بذلك، ويُعطِي كلَّ جلَسائه نصيبه حتى


(١) في الأصل: من مسألتهم عنه.
(٢) في "دلائل النبوة": ويقويه.
(٣) في الأصل: عن.

<<  <  ج: ص:  >  >>