دخل قلبي منك، ولكن قد عَلِمَتْ نساءُ أهلِ المدينة وصبيانُهم: أنه لم يَضَعْ جنبي أحدٌ قط، ولم يدْخُل قَلْبي رُعْبٌ ساعَةً ليلًا ولا نهارًا، ولكن دُونَكَ فاخْتَرْ غنمك، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لي حاجَةٌ إلى غَنَمِك إذ أَبَيْتَ أن تسلم" فانطلق نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - راجِعًا، وأقبل أبو بكر وعمر يلتمسانِه في بيتِ عائِشةَ، فأخْبَرَتْهُما أَنَّهُ توَّجه قِبَلَ وادي إضَم، وقد عرفا أَنَّه وادي رُكَانَة لا يَكَادُ يُخْطِئُه، فخرجا في طلبِهِ، وأَشْفَقا أن يلقاه رُكَانَةُ فَيَقْتُلَه، فجعلا يصعدان على كل شَرَفٍ ويَتَشَرَّفَانِ مَخْرَجًا له، إذ نظرا إلى نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - مُقْبلًا، فقالا: يا نَبيَّ الله، كيف تخرج إلى هذا الوادي وَحْدَكَ، وقد عَرَفْتَ أَنَّه جِهَةُ رُكَانَةَ، وأنه من أَفْتَكِ النَّاسِ وأَشَدِّه تَكْذِيبًا لك؟ فضحك إليهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثم قال:"أليس يقول اللهُ عز وجل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: ٦٧] إِنَّه لم يكن يَصِلُ إليَّ واللهُ مَعِي" فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُهما حَدِيثَه، والذي فعل به، والذي أراه، فعَجبا من ذلك، فقالا: يا رسول الله، أَصَرَعْتَ رُكَانَةَ؟ فلا والذي بَعَثَكَ ما نَعْلَمُ أَنَّه وَضَعَ جَنْبَهُ إِنْسَانٌ قَطُّ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي دعوتُ ربي فَأَعَانَني عليه، وإِنَّ ربي عَزَّ وَجَلَّ أَعانَني ببضْعِ عشرة، وبِقُوَّةِ عشرة". في سنده أبو عبد الملك. قال البيهقي: أبو عبد الملك هذا علي بن يزيد الشامي وليس بالقوي، إلا أن معه ما يؤكد حديثه والله أعلم (١).
وركانة بضم الراء، وهو ركانة بن عبد يزيد، بن هاشم، بن عبد المطلب، بن عبد مناف، بن قصي الهاشمي المطَّلبي، أسلم بعد ذلك. قال ابن عبد البر: من مسلمي الفتح، وكان من أشد الناس، وهو الذي سأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصارعه، وذلك قبل إسلامه، ففعل، وصرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين أو ثلاثًا. من حديثه: أنه سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وخُلُقُ هذا الدِّين الحَيَاءُ"، وتُوُفِّيَ رُكَانَةُ في أَوَّلِ خلافةِ معاوية سنة اثنتين وأربعين.