حديث صحيح الإسناد، وأبو عثمان هذا ليس هو النَّهْدي، ولو كان هو النهدي لحكمتُ بالحديث على شرط الشيخين. قال ابن حجر: فدل هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما، وهو عَين ما ادْعَى ابنُ دقيق العيد وغيره، وإن كان الحاكم قد يَغفُل عن هذا في بعض الأحيان، فيصحح على شرطهما بعض ما لم يخرجا لبعض رواته، فيُحمل ذلك على السهو والنسيان، ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض (١).
ب- وقال آخرون: إنه قصد المِثْلية في الثقة وليس أعيان الرواة، ومن هؤلاء:
١ - بدر الدين الزركشي، حيث قال: ما ذكره ابن الصلاح في شرطه، قد تبعه عليه النووي وابن دقيق العيد وغيرهما، وكأنهم لم يَقِفُوا على شرط الحاكم، والذي في خطبة "المستدرك" ما نصه: وأنا أستعينُ الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما، انتهى.
وعلى هذا عمل الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وكذلك فعل الحافظ الذهبي في "مختصر المستدرك"، وليس ذلك منهم بحَسَن، لما ذكرنا من كلام الحاكم في خطبته أنه لم يشترط نفس الرجال المخرج لهم في الصحيح، بل اشترط رواةً احتج بمثلهم الشيخان أو أحدهما، وإنما ينبغي منازعته في تحقيق المماثلة بين رجاله ورجال "الصحيحين".
نعم، القومُ مَعذُورون؛ فإنه قال عقب أحاديث أخرجها: هي صحيح على شرط مسلم فقد احتج بفلان وفلان، يعني المذكورين في سنده، فهذا منه جنوح إلى إرادة نفس رجال الصحيح، وهو يخالف ما ذكره في مقدمة كتابه، ثم إنه خالف الاصطلاحين في أثناء كتابه، وقال لما أخرج التاريخ والسير: ولا بد لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي.
(١) "النكت على كتاب ابن الصلاح" ١/ ٣٢٠ - ٣٢١. وقد نقل عنه تلميذه البقاعي الرأي الآخر كما سيأتي في آخر هذا الفرع.