المطلب الثاني: عصرُ الحاكم، والظروف المكتنفة به من النواحي السياسية والاجتماعية والعلمية، في نيسابور خاصَّة:
[أ - الظروف السياسية]
عاصر الإمام الحاكم منذ ولادته بنيسابور سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة المرحلةَ الثانيةَ من الخلافة العباسية، تلك المرحلة التي كان فيها حُكم خلفاء بني العباس مقتصرًا على بغداد وما حولها، دون ما سواها من بلاد الإسلام التي تعدَّدت الإمارات فيها، مع إعلان أكثر تلك الإمارات للخليفة العباسيّ بالولاء والطاعة، غير أن كل إمارةٍ كانت تنفرد بحكم ما تحتها يدها من بلادٍ.
وعند ولادة الحاكم كان الخليفة العباسي آنئذٍ القاهر بالله بن المعتضد بالله، ثم تولى الخلافة بعده الراضي بالله بن المقتدر بالله، ثم المتقي بن المقتدر، ثم المستكفي بن المكتفي، ثم المطيع بن المقتدر، ثم الطائع بن المطيع، ثم القادر بالله، الذي كان آخرَ خليفة عباسيٍّ عاصره الإمامُ الحاكم.
وكانت نيسابور لدى ولادة الحاكم تحت إمارة السامانيين، فكان أمير خراسان إذ ذاك نصرُ بن أحمد بن إسماعيل الساماني، الذي كان من بيت إمارة ورياسة، إذ سبقه إلى الإمارة أبوه أحمد، ومن قبلِه جدُّه إسماعيل بن أحمد الذي ولَّاه المأمونُ بلادَ ما وراء النهر (١)، ثم امتدت إمارة السامانيين لتشمل خراسان أيضًا.
وقد تعاقب بنو سامان على إمارة البلاد حتى عام ٣٨٧ هـ، حين تغلَّب عليهم الغزنويون، وكان ذلك على يد سُبُكْتِكين الذي تولى الحكم في خراسان، وولَّى ابنَه
(١) بلاد ما وراء النهر: يُراد بها ما وراء نهر جِيحُون بخُراسان، فما كان في شَرقيِّهِ يقال له: بلاد الهَياطِلَة، وفي الإسلام سمَّوهُ: ما وراء النهر. "معجم البلدان" لياقوت الحموي ٥/ ٤٥. وتُعرف الآن باسم "آسيا الوسطى" الإسلامية، وتضمُّ خمس جمهوريات إسلامية كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي سابقًا، ثم مَنَّ الله عليهم فاستقلُّوا بعد انهياره، وهذه الجمهوريات هي الآن: أوزبكستان وطاجيسكتان وقازاخستان وتركمانستان وقرغيزيا. "موجز عن الفتوحات الإسلامية" للدكتور طه عبد المقصود أبو عُبيَّة ص ٧.