المطلب الثالث: عنايةُ العلماء بكتاب "المستدرك" قديمًا وحديثًا:
ومع كل ما سبق مما اعترض به على الحاكم في "مستدركه"، فإنَّ لهذا الكتاب عند العلماء أهمية واضحة، فلذا أولَوْه عنايةً خاصةً؛ اختصارًا له، وبيانًا لزوائده، وتعليقًا عليه، وبيانًا لأحوال رجال أسانيده، واستنباطًا لمنهج الحاكم فيه، إلى غير ذلك من الدراسات التي يستحقها مثله من الدواوين المهمة التي اشتملت على الأحاديث النبوية الصحيحة، فكان من أبرز العلماء الذين اعتنوا به قديمًا:
١ - الحافظ الذهبي، الذي قام بتلخيصه، والحكم على بعض أحاديثه في أثناء ذلك، ولكنه لم يستوفِ الحُكم عليها، ولذلك قال وهو يتحدث عن الكتاب: هو كتاب مفيد، قد اختصرته، ويُعوِزُ عملًا وتحريرًا. قلنا: كأن الذهبي عمل ذلك المختصر لنفسه في بداية الطلب على عادته في اختصار الكتب، إذ كان يفعل ذلك من أجل أن يسهل عليه مطالعتها واستظهارها، لكنه وجد الكتاب بحاجة إلى تحرير فأرجأ ذلك لوقت آخر، فشَغَله عنه تصنيفه لغيره من الكتب المهمة، فنبه على حاجة الكتاب للعمل والتحرير، ليتصدَّى لذلك من يأنس من نفسه الأهلية والكفاية للقيام بذلك العمل والتحرير، والله أعلم.
ويمكن النظر في أقوال الذهبي من خلال بقية كتبه حول كثير من أحاديث "المستدرك" التي سكت عنها في "التلخيص"، ولا سيما "ميزان الاعتدال"، فيمكن أن تضاف تلك الأقوال إلى "تلخيصه" إتمامًا لعمله، على أن الذهبي - كما ظهر لنا- قد يتغير اجتهاده في بعض أحكامه التي في "التلخيص"، وبخاصة في كتبه التي صنفها مؤخرًا بعد أن تقدّم سنه وعلا كعبه في العلم، وأصبح ذا ملكة راسخة في التحقيق في علمي الحديث والرجال، كـ "سير أعلام النبلاء" و "تذكرة الحفاظ".
وصنف الذهبي أيضًا جزءًا مفردًا جمع فيه "موضوعات المستدرك"، وقد أشار إليه وهو يتحدث عن الكتاب بقوله: وفي غضون ذلك أحاديثُ نحو المئة يشهد القلب