خمس وثمانين وثلاث مئة. قال الحاكم: صار الدارقطنيُّ أوحَدَ عصرِه في الحفظ والفهم، والورع، وإمامًا في القُرّاء والنحويّين، وفي سنة سبع وستين أقمت ببغداد أربعة أشهر، وكَثُرَ اجتماعُنا بالليل والنهار، فصادفتُه فوق ما وُصِف لي، وسألتُه عن العلل والشيوخ، وله مصنفات يطولُ ذكرها، وأشهد أنه لم يُخلِّف على أَدِيم الأرض مثلَه (١).
فهؤلاء هم أبرز شيوخ الحاكم، وسَرْدُهم يَطُول، وقد ذكرنا جماعةً منهم عند حديثنا عن رحلاته، ممن تَرجَم لهم هو نفسُه، وذَكَرَ مواضعَ وتواريخَ لقائه بهم.
وفي غياب كتابَي الحاكم "المعجم" و "تاريخ نيسابور"، كان لا بُدّ من استفراغ الوُسع في إحصاء شيوخه وتبيين أحوالهم، وقد انبرى لذلك عدد من الباحثين المعاصرين، فكانت لهم جهودٌ طيبةٌ، لكن أجودَها ما صنَعه الأستاذ أبو الطيّب نايف بن صلاح بن علي المنصوري، حيث أفرَدَ شيوخ الحاكم في "المستدرك" وغيره، في كتاب سمّاه "الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم"، وهو في مجلدَين؛ فيُرجع إليه فهو نَفِيس في بابه.
أما نحن، فلم نألُ جهدًا في عملنا على الكتاب في التفتيش عن أحوال شيوخه، ودراسة مرويّاتهم، ولا سيما الذين لم نَعثُر لهم على تراجم، ضرورةَ الحكم على أسانيد الكتاب، فنسأل الله تعالى أن نكون قد وُفِّقَنا في ذلك.
- تلامذته:
ما إن تمَّ للحاكم الطلبُ، وبلغ في هذا العلم الشريف شأْوًا عظيمًا، حتَّى أَوفى على الغاية فيه، وصار إليه المُنتهى، فأمَّه طلبةُ العلم وقصدوا مجلسَه، من كل حَدَب وصَوْب يَنسِلون، فيَنهَلُون من مَعِينه الذي لا يَنضُب، ويَحرِصون على تسجيل فوائده، ويكتبون بإملائه الأجزاء تلو الأجزاء، فلم يكن لهم عنه مُستغنًى، ولا سيما