للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأنه قد أدرك الأسانيد العالية التي لم تكن لغيره من الحفاظ، إذ رحل - كما تقدَّم - وهو في سنٍّ مبكّرةٍ في أصقاع متفرقة في الأقاليم الممتدة من بلاد ما وراء النهر حتَّى العراق، مما أتاح له لقاء شيوخٍ كبار لم يُقضَ لغيره من أقرانه السماعُ منهم.

فكان للحاكم تلامذة أفذاذٌ خَلَفُوه في هذا العلم، فأصبحوا ممن يُشار إليهم بالبَنان، وممن تُستحثُ المِطيُّ إليهم مِن كل مكان، فكانوا بحقٍّ خيرَ خَلَف لخير سَلَف، وقد أورد كثيرًا منهم عبدُ الغافر الفارسي في كتابه "السياق لتاريخ نيسابور" (١) الذي ذيّل به علي كتاب "تاريخ نيسابور" للحاكم، حيث ذكر فيه طبقة تلامذة الحاكم فمَن بعدهم، ونقتصر هنا على ذكر أشهرهم، وهم:

١ - أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البَيهقي الخُسرَوْجِرْدي، المتوفى سنة ثمان وخمسين وأربع مئة. واحدُ زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله الحافظ والمُكثرين عنه (٢)، وقد اعتمد البيهقي في جُلِّ رواياته على ما رواه عن أبي عبد الله الحاكم، حتَّى إنه يمكن أن يكون استوفى أو كاد أن يستوفي جميع مروياته، وأودَعَها جميعًا في تصانيفه الشهيرة، حتَّى قال ابن كثير: أكثرَ البيهقي عنه، وبكتبه تفقّه وتخرّج، ومن بحره استمدّ، وعلى مِنواله مشي (٣).

فإذا قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، فإنه يريدُه، والجدير بالذكر أن البيهقي هو أحدُ الذين سمعُوا على الحاكم كثيرًا من كتاب "المستدرك"، حيث كان يقول: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في كتاب "المستدرك" (٤)، وأجازَه في باقيه،


(١) ولم يعثر على هذا الكتاب، لكن عُثر على "المنتخب من كتاب السياق" لإبراهيم بن محمد الصَّرِيفِيني. انظر "طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي ١/ ٣٢٥.
(٢) "المنتخب من كتاب السياق" ص ١٠٨.
(٣) "طبقات الفقهاء الشافعيين" ص ٣٥٨.
(٤) "سنن البيهقي الكبرى" ٢/ ٢٨١ و ٣١٨ و ٣/ ٣٥٥ و "شعب الإيمان" (١٨٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>