للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المطلب الرابع: ثناء الأئمة عليه]

لقد تبوَّأ أبو عبد الله الحاكم المكانة العالية والمنزلة الرفيعة بين علماء عصره، حتَّى شهد له بالتقدُّم شيوخُه قبل تلامذتِه، ثم مِن بعدهم العلماءُ الكبارُ الذين ترجموا له، ولا عجب في ذلك؛ فرجُلٌ مثلُ أبي عبد الله له الرحلةُ الواسعةُ، والشيوخ الكُثُر المشهود لهم بالتقدُّم والمعرفة، لا شكَّ أن ذلك مما يزيد في مخزونه العلمي، وتنوُّع علومه ومعارفه، هذا بالإضافة إلى ما كان يتحلّى به من كريم الخِصال، ويتجلّى فيه من أصيل الخِلال، بما جعله بحقٍّ متميّزًا على سائر أقرانه، بل متفوّقًا على كثير من شيوخه أيضًا، ومهما قلنا في حقِّ هذا الإمام، فإننا قد لا نَقدُرُه قَدْرَه، ولكن كما يقال: ما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك جُلُّه، ويكفينا في هذا المقام أن نُورد ما قاله جِلَّةُ أهل العلم في حقِّه؛ مُثنِين عليه، مُنوِّهين بفضله، وأنه بلغ في علم الحديث مبلغًا لا يُجارَى، ويحسُن بنا أن نبتدئ برأي شيوخه فيه، ولا سيما الكبار منهم، بما يدلُّ على نُبُوغ الحاكم المُبكِّر قبل أن تتقدم سِنُّه ويقصده الطَّلبَة:

فمن ذلك أن شيخه إمامَ وقتِه أبا بكر محمد بن إسحاق بن أيوب الصِّبْغيّ كان يُراجعه في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث، ويُقدِّمه على أقرانه، وكان يعتمد عليه في أمور مدرسة دار السُّنة، وفوّض إليه توليةَ أوقافه، وكان يستظلُّ برأيه في أموره؛ اعتمادًا على حُسن ديانته ووُفُور أمانتِه (١).

وقال أبو حازم العَبدَوي: سمعتُ مشايخنا يقولون: كان الشيخ أبو بكر بن إسحاق وأبو الوليد يَرجِعان إلى أبي عبد الله في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث وصحيحه وسقيمه (٢).

وقال أبو حازم أيضًا: أقمتُ عند الشيخ أبي عبد الله العُصْمي قريبًا من ثلاث سنين، ولم أرَ في جملة مشايخنا أتقنَ منه ولا أكثر تَنقيرًا، فكان إذا أَشكَل عليه


(١) "المنتخب من كتاب السياق" ص ١٦.
(٢) نقله عنه ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>