المدني وفُليح بن سليمان اللذين احتج بهما البخاري، وكإسماعيل بن أبي أويس الذي احتج به الشيخان البخاري ومسلم، فقد رويا لمثل هؤلاء احتجاجًا وليس متابعةً ولا استشهادًا، لأنهما حسّنا الرأي فيهم، وربما رويا لبعضهم احتجاجًا أحيانًا، وفي المتابعات والشواهد أحيانًا أخرى، فكأنَّ الحاكم لما رأى ذلك أدخل الفريق الأول الذين روى لهم الشيخان في المتابعات الشواهد في شرط الصحيح، ولم يَرَ إخراجهم من شرط الصحيح لمجرّد أنهما لم يخرجا لهم إلَّا في المتابعات والشواهد لأسباب رآها الشيخان، لا لجرح فيهم.
وكأنَّ الحاكم يرى أيضًا أنه لو فُرِض أن الشيخين لم يخرجا لبعض الرواة احتجاجًا، وإنما أخرجا لهم في المتابعات والشواهد والتعاليق لكونهم ضعفاء عندهما، فلا يلزم منه أن يكون إخراج أحاديثهم تلك ليس على شرطهما، فلربما كانا يريان ضعف بعض الرواة ممن أخرجا لهم في المتابعات والشواهد، ولكنهم إذا ما توبعوا أو جاء ما يشهد لرواياتهم ارتقت رواياتهم إلى درجة القبول والصحة، فالشيخان إنما انتقيا لأولئك الرواة من رواياتهم ما ثبت لديهما صحتها بقرائن نقدية معينة، ومن ذلك: متابعة غيرهم لهم، أو وجود شواهد لرواياتهم، ومن ذلك أيضًا صحة رواية بعض الرواة عن شيوخ بأعيانهم مع ضعفهم في غيرهم، إلى غير ذلك من القرائن المعتبرة، فيذهب الحاكم إلى أن إخراج حديث مثل هؤلاء على هذه الصفة، لا بد أن يكون على شرطهما أيضًا؛ يعني بالانتقاء لهم بالقرائن، فكأنَّ الحاكم لما خرّج لمثل هؤلاء مصححًا لأحاديثهم على شرط الشيخين أو أحدهما، يرى أنه مشى على شرطهما في الانتقاء بالقرائن الدالة على صحة رواياتهم تلك. فمن هاهنا كان شرط الشيخين عند الحاكم أوسع مما حدده كثيرون (١)، والله تعالى أعلم.
(١) بعد كتابتنا لهذه السطور وقفنا على كلام جيد للشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني ﵀ في "التنكيل" ٢/ ٦٩١ - ٦٩٢ بنحو بعض هذا الذي قلناه من سبب توسع الحاكم في شرط الشيخين، وهو كلام مفيدٌ؛ فيُرجع إليه.