يكون إسنادُ الحديث الذي يُخرِّجه مُحتجًّا برواته في "الصحيحين" أو أحدهما، على صورة الاجتماع لا على صورة الانفراد، وهذا ما أشار إليه ابن الصلاح بقوله: مَن حَكَم لشخص بمجرّد رواية مسلم عنه في "صحيحه" بأنه من شرط الصحيح، فقد غَفَل وأخطأ، بل ذلك متوقفٌ على النظر في كيفية رواية مسلم عنه، وعلى أي وجه اعتمد عليه.
قلنا: وكذلك البخاري، بل هو أولى لأن شرطه أقوى من شرط مسلم، وإنما اشترطوا هذا الشرط لئلا يُقدَم على التصحيح على شرط الشيخين لرواية راو قد ضُعف في شيخ بعينه، لاعتبارات معيَّنة يذكرها نُقاد الحديث، كأن يكون ذلك الراوي غير ضابط لمروياته عن ذلك الشيخ بعينه، رغم ثقة الرجلين، كما قيل في رواية هشيم بن بشير وسفيان بن حسين وجعفر بن بُرقان في روايتهم عن الزهري مع ثقة الأربعة، وكرواية معمر بن راشد عن ثابت البناني، وكلاهما ثقة. وقد عقد ابن رجب الحنبلي بابًا في "شرحه على علل الترمذي" ذكر فيه ما وقف عليه من أولئك الرواة الذين ضُعفوا في شيوخ بأعيانهم.
ولا نظنُّ الحاكم كان على غَفْلة مما قيل في شأن أولئك الرواة الذين ضعفت رواياتهم في شيوخ بأعيانهم، ونحن في حكمنا على تلك الأحاديث مشينا فيها على المنهج الذي يرتضيه أهل الحديث في تصحيح حديث من تُكلّم في روايته عن شيخ معيَّن إذا ظهر لنا أنه قد أصاب في ذلك الحديث من خلال المتابعات والشواهد، لأننا نظن أن مثل تلك الأحوال ليست بمطَّرِدة في حق أولئك الرواة، فبالرغم مما قيل - مثلًا - في روايات داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، فقد صحح الإمام أحمد حديثه في ردّ زينب بنت رسول الله ﷺ على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول، وضعف حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في أنها رُدّت عليه بمهر جديد ونكاح جديد (١)، وكذلك فعل الإمام البخاري أيضًا، حيث قدَّم حديث