على أنه قد رُوي في إسلام بريدة روايةٌ أخرى عند الواقدي في "مغازيه" ٢/ ٧٨٢ أنَّ بريدة أسلم هو وجماعة من قومه لما كان رسول الله ﷺ في طريق الهجرة، وهو بغدير الأشطاط، وزاد الواقدي في رواية أخرى ذكرها ابن سعد في "طبقاته" ٤/ ٢٢٨ عنه عن هاشم بن عاصم الأسلمي عن أبيه، قال: لما هاجر رسول الله ﷺ من مكة إلى المدينة فانتهى إلى الغميم، أتاه بريدة بن الحصيب، فدعاه رسول الله ﷺ إلى الإسلام، فأسلم هو ومن معه وكانوا زهاء ثمانين بيتًا، فصلَّى بهم رسول الله ﷺ العشاء فصلوا خلفه. فكان إسلام بريدة إذًا على مقتضى رواية الواقدي لما كان رسول الله ﷺ في طريق هجرته، ويؤيده رواية أخرى لبريدة نفسه من طريق أوس بن عبد الله بن بريدة عن الحسين بن واقد وعن أخيه سهل بن عبد الله بن بريدة، كلاهما عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: أنه التقى رسولَ الله ﷺ في سبعين راكبًا من أهل بيته من بني سهم لما توجَّه النبي ﷺ من مكة إلى المدينة، وكانت قريش جعلت مئةً من الإبل فيمن يأخذُ نبيَّ الله ﷺ فيردُّه عليهم. فباجتماع هذه الروايات يتضح أن بريدة كان إسلامه إذ كان النبيُّ ﷺ في طريق هجرته من مكة إلى المدينة، وهذا ينافي كونه كان أحدَ الأربعة السابقين إلى الإسلام كما تفيده رواية يونس بن بكير، فهذه علة ثالثة في روايته. وأما إسلام أبي ذرٍّ فقصته المشهورة في إسلامه التي أخرجها مسلم (٢٤٧٣) وغيره، تُنافي قصته التي رواها يونس بن بكير أيضًا، ففي رواية مسلم وغيره ما يشعر بأنَّ إسلامَ أبي ذرِّ كان قبل الهجرة، لقول النبي ﷺ ولأبي ذر: "إنه قد وُجِّهتْ لي أرضٌ ذاتُ نخل، لا أُراها إلّا يثرب، فهل أنت مبلغٌ عني قومك عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم"، وفيها أيضًا أنَّ أبا ذرٍّ أسلم هو وأخوه أُنيس وأمهما أيضًا، ففي ذلك دليل على أنَّ إسلام أبي ذرٍّ كان سابقًا لإسلام بريدة، وأنَّ أبا ذرٍّ إنما أسلم هو وأخوه وأمهما معًا، وليس هو وابن عمه وبريدة كما في رواية يونس بن بكير، وإذا كان إسلامهم قبيل الهجرة فلا يكون أبو ذرٍّ أحد الأربعة السابقين إلى الإسلام كما في حديث يونس بن بكير، لما هو معلومٌ من إسلام جماعةٍ من الصحابة قبل ذلك الحين. فحصل من ذلك تعارضُ ظاهرٌ بين رواية مسلم وغيره في قصة إسلام أبي ذر وبين رواية يونس بن بكير في قصة إسلامه، فهذه أوجهٌ متعددة تظهر نكارة رواية يونس بن بكير وأنها مخالفة للمشهور في إسلام بريدة، ومخالفة للصحيح أيضًا في إسلام أبي ذر. وقوله في آخر الخير بأنه أُوحي إلى رسول الله ﷺ يوم الاثنين، وأن عليًا صلَّى يوم الثلاثاء، قد =