الفارسي قال: كنتُ رجلًا من أهل جَيٍّ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البُلْقَ، فكنت أعرفُ أنهم ليسوا على شيء، فقيل لي: إنَّ الدِّين الذي تطلب إنما هو بالمغرب، فخرجت حتى أتيتُ المَوصل، فسألتُ عن أفضل من فيها، فدُلِلتُ على رجل في صومعةٍ، فأتيتُه، فقلت له: إني رجل من أهل جَيٍّ، وإني جئت أطلب العملَ، وأتعلَّم العلمَ، فضُمَّني إليك أخدُمْك وأصحَبْك وتُعلِّمُني شيئًا ممّا علَّمك الله، قال: نعم، فصحبتُه، فأجرَى عليَّ مثلَ ما كان يُجرَى عليه، وكان يُجرَى عليه الخَلُّ والزيتُ والحبوب، فلم أزل معه حتى نزل به الموتُ فجلستُ عند رأسِه أَبكيه، فقال: ما يُبكيك؟ فقلتُ: أبكي أني خرجتُ من بلادي أطلُبُ الخيرَ، فرزقني الله فصحبتُك، فعلَّمتني وأحسنتَ صُحبتي، فنزل بك الموتُ، فلا أدري أين أذهبُ، فقال: لي أخٌ بالجزيرة مكانَ كذا وكذا، وهو على الحق، فأتِه فأقرِتْه منِّي السلامَ، وأخبِرْه أني أوصيتُ إليه وأوصيتُك بصحبته.
فلما أن قُبِضَ الرجلُ، خرجتُ حتى أتيتُ الرجلَ الذي وَصَفَه لي فأخبرتُه الخبرَ، وأقرأتُه السلامَ من صاحبه، وأخبرتُه أنه هلك، وأمرني بصُحبته، فضمَّني إليه وأجرى عليَّ كما كان يُجرَى عليَّ مع الآخر، فصحبتُه ما شاء الله، ثم نزل به الموتُ، فلما نزل به الموتُ جلستُ عند رأسه أبكي، فقال لي: ما يُبكيك؟ قلتُ: خرجتُ من بلادي أطلُبُ الخير، فرزقني الله صُحبةَ فلان فأحسنَ صُحبتي وعلَّمني وأوصاني عند موتِه بك، وقد نزلَ بك الموتُ، فلا أدري أين أتوجَّهُ، فقال: تأتي أخًا لي على دَرْبِ الرُّوم فهو على الحقِّ، فأتِه وأقرئه مني السلام، واصحبه فإنه على الحقِّ.
فلما قُبِضَ الرجلُ، خرجتُ حتى أتيتُه فأخبرتُه بخبري وتوصية الآخر قبلَه، قال: فضمَّني إليه وأجرى عليَّ كما كان يُجرَى عليَّ، فلما نزل به الموتُ جلستُ أبكي عند رأسِه، فقال لي: ما يُبكيك؟ فقصصتُ قصتي، قلت له: إنَّ الله تعالى رزقَني صُحبتك فأحسنتَ صُحبتَي، وقد نزل بك الموتُ، ولا أدري أين أتوجَّه، فقال: لا أينَ، وما بقي أحدٌ أعلمه على دين عيسى ابن مريم ﵇ في الأرض، ولكن هذا أوانُ