للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلنا: بل العجب من أبي عبد الله الحاكم كيف تنبَّه لهذا الحديث من بين سائر الأحاديث، وتفطَّن إلى عدم ثبوته، مع صغر سن الحاكم إذ ذاك، فقد كان في سن الحادي والعشرين، ومع ذلك أقرَّ له شيوخه هؤلاء بالتحرُّز والتثبُّت.

وإذا كان هذا رأي شيوخه فيه، فكذلك كان رأيُ أقرانه وتلامذته، الذين كانوا يرَونه واحدَ عصرِه، وأجلّ أقرانه، وأنه إليه المَرجِع والمُنتَهى في هذا العلم، فمن ذلك ما قاله عبد الغني بن سعيد المصري؛ قال: لما رَدَدْتُ على الحاكم أبي عبد الله الأوهامَ في "مدخل الصحيح"، بعث إليَّ يشكُرُني ويدعو لي، فعلمتُ أنه رجلٌ عاقلٌ (١).

وقال تلميذه أبو حازم العبدوي لدى ترجمته له: إمام أهل الحديث في عصره (٢).

وقال أيضًا: أول من اشتَهَر بحفظ الحديث وعلله بنيسابور بعد الإمام مسلم: إبراهيم بن أبي طالب، وكان يقابلُه النَّسائي وجعفر الفاريابي، ثم أبو حامد بن الشَّرْقي، وكان يقابلُه أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو العباس بن سعيد، ثم أبو علي الحافظ، وكان يقابله أبو أحمد العَسّال وإبراهيم بن حمزة، ثم الشيخان أبو الحسين - يعني الحجّاجي - وأبو أحمد - يعني الحاكم - وكان يقابلهما في عصرهما أبو أحمد بن عديّ وأبو الحسين بن المُظفّر والدارقطني، وتفرد الحاكم أبو عبد الله في عصرنا هذا من غير أن يقابله أحدٌ بالحجاز والشام والعراقَين والجبال والرَّيّ وطَبَرِستان وقُومَس وخُراسان بأسرِها وما وراء النهر (٣).

وأثنى عليه تلميذه أبو يعلى الخَليلي، فقال: عالم عارف، واسع العلم ذو تصانيف كثيرة، لم أرَ أوفى منه. قال: وهو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه الكتبَ الطوالَ والأبوابَ، وجمع الشيوخ المُكثِرين والمُقلِّين قريبًا من خمس مئة جزء، ويَستقصي في ذلك؛ يؤلِّف الغَثَّ والسَّمِينَ، ثم يتكلّم عليه فيبيِّنُ ذلك. وقال أيضًا: رأيتُه في كل


(١) نقله عنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٣٦/ ٣٩٨.
(٢) نقله عنه ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص ٢٢٧.
(٣) المصدر السابق ص ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>