قال ابن حجر في "فتح الباري" ٢١/ ٢٠٣: وهذا الفرع غريب، وهو أن يَنذِر عن غيره فيَلزَمَ الغيرَ الوفاءَ بذلك، ثمَّ إذا تعذَّر لزم الناذر! وقد كنتُ أستشكِلُ ذلك، ثُمَّ ظَهَرَ لي أنَّ الابن أقرَّ بذلك والتزم به، ثمَّ لما مات أمره ابن عمر وسعيدٌ أن يفعل ذلك عن ابنه كما يفعل سائرَ القُرَب عنه، كالصومِ والحج والصدقة، ويُحتمل أن يكون ذلك مختصًّا عندهما بما يقع من الوالد في حق ولده، فينعقدُ لوجوبِ برّ الوالد على الولد، بخلاف الأجنبي. ونقل في "الفتح" ٢١/ ٢٠٧ أيضًا عن القُرطبي في "المفهم" حملَ ما ورد في الأحاديث من النَّهي على نذر المجازاة، فقال: هذا النَّهي محَلُّه أن يقول مثلًا: إن شَفَى الله مريضي فعليَّ صدقةُ كذا، ووجه الكراهة أنه لما وَقَفَ فعلَ القُربة المذكور على حصول الغرض المذكور، ظهر أنه لم يَتمحَّض له نيَّة التقرُّب إلى الله تعالى بما صَدَرَ منه، بل سَلَكَ فيها مسلك المعاوضة، ويوضِّحه أنه لو لم يَشفِ مريضَه، لم يتصدَّق بما علَّقه على شفائه، وهذه حالة البخيل؛ فإنَّه لا يخرج من ماله شيئًا إلَّا بعِوَضٍ عاجلٍ يزيد على ما أخرج غالبًا. وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله: "وإِنَّما يُستخرَج به من البخيل ما لم يكن البخيلُ يخرجه". قال: وقد ينضمُّ إلى هذا اعتقاد جاهلٍ يَظُنّ أن النَّذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجلِ ذلك النّذر، وإليهما الإشارةُ بقوله في الحديث أيضًا: "فإنَّ النَّذر لا يَرُدّ من قَدَر الله شيئًا"، والحالة الأولى تُقارِب الكفر، والثانية خطأٌ صريح. قلت: بل تَقرُب من الكفر أيضًا، ثمَّ نَقَلَ القُرطُبيّ عن العلماء حملَ النَّهي الوارد في الخبر على الكراهة، وقال: الذي يظهر لي أنه على التحريم في حقّ مَن يُخافُ عليه ذلك الاعتقادُ الفاسد، فيكون إقدامه على ذلك محرّمًا، والكراهة في حقّ مَن لم يعتقد ذلك. انتهى، وهو تفصيلٌ حسنٌ، ويؤيِّده قصَّة ابن عمر راوي الحديث النَّهي عن النَّذر، فإنها في نذر المجازاة. (١) كذا في النسخ، وفي مصادر التخريج: لا، وهو الجادّة.