للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يروي كتب الشافعي عن أبي عبد الله الحاكم، من روايته عن أبي العباس الأصم عن الربيع بن سليمان المرادي عن الشافعي، وفي ذلك ما يشير إلى أنه كان لدى أبي عبد الله الحاكم جميع فقه الشافعي رواية.

وقد وقع لنا في "المستدرك" ما يشير إلى ذلك، حيث قال بإثر قصة الصحابي الذي حرس النبي والصحابة يوم ذات الرقاع، وأُصيب بسهم ونزف وهو يصلي فلم يقطع صلاته: وهذه سنة ضَيّقة قد اعتقد أئمتنا بهذا الحديث أن خروج الدم من غير مَخرج الحَدَث لا يوجب الوضوء. قلنا: عنى بقوله: "أئمتنا": الشافعية، فإن من المعلوم أن هذا هو رأي الشافعي، فقد نقل المزني عن الشافعي قوله: وما كان من سوى ذلك من قيء أو رُعاف أو دم خرج من غير مخرج الحدث، فلا وضوء في ذلك، كما أنه لا وضوء في الجُشاء المتغيّر ولا البصاق لخُروجهما من غير مخرج الحدث (١).

ولكن ذلك لا يعني أنه كان منصرفًا إلى فقه الشافعي لا يجاوزه أو يتعداه، فإن رجلًا في موضع الحاكم من سَعَة الرواية والمعرفة بالحديث، لا عجب أن يكون له اختيارات واجتهادات، لا تُوافق مذهب الشافعي، كحال غيره من علماء الشافعية الذين كان لهم من علم الحديث نصيب وافر، وكان لهم اجتهادات واختيارات خارج المذهب، كمحمد بن نصر المروزي وابن خزيمة وابن حبان ونحوهم من الأئمة الفقهاء والحفاظ الكبار.

ومن ذلك ما قاله الحاكم في حديث عمر بن الخطاب لما حدث بحديث العُسْرة وما أصاب المسلمين يومئذ من القيظ الشديد، حتى إن الرجل كان ينحر بعيره، فيَعصِر فَرْثَه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده. فقال الحاكم: قد ضمَّنه سُنَّةٌ غَريبةً، وهو أن الماء إذا خالطه فَرْتُ ما يؤكل لحمه لم يُنجِّسه، فإنه لو


(١) "مختصر المزني" بإثر "الأم" طبعة دار المعرفة ٨/ ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>