للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ، فِي أَيِّ الرَّأْيَيْنِ كَانَ أَصْوَبَ، فَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ قَوْلَ عمر لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ قَوْلَ أبي بكر، لِاسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ، وَمُوَافَقَتِهِ الْكِتَابَ الَّذِي سَبَقَ مِنَ اللَّهِ بِإِحْلَالِ ذَلِكَ لَهُمْ، وَلِمُوَافَقَتِهِ الرَّحْمَةَ الَّتِي غَلَبَتِ الْغَضَبَ، وَلِتَشْبِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى، وَتَشْبِيهِهِ لعمر بِنُوحٍ وَمُوسَى، وَلِحُصُولِ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي حَصَلَ بِإِسْلَامِ أَكْثَرِ أُولَئِكَ الْأَسْرَى، وَلِخُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِحُصُولِ الْقُوَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْفِدَاءِ، وَلِمُوَافَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر أَوَّلًا، وَلِمُوَافَقَةِ اللَّهِ لَهُ آخِرًا حَيْثُ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى رَأْيِهِ، وَلِكَمَالِ نَظَرِ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّهُ رَأَى مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ آخِرًا، وَغَلَّبَ جَانِبَ الرَّحْمَةِ عَلَى جَانِبِ الْعُقُوبَةِ.

قَالُوا: وَأَمَّا بُكَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّمَا كَانَ رَحْمَةً لِنُزُولِ الْعَذَابِ لِمَنْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَرَضَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أبو بكر، وَإِنْ أَرَادَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، فَالْفِتْنَةُ كَانَتْ تَعُمُّ وَلَا تُصِيبُ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ خَاصَّةً، كَمَا هُزِمَ الْعَسْكَرُ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِقَوْلِ أَحَدِهِمْ: (لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ) وَبِإِعْجَابِ كَثْرَتِهِمْ لِمَنْ أَعْجَبَتْهُ مِنْهُمْ، فَهُزِمَ الْجَيْشُ بِذَلِكَ فِتْنَةً وَمِحْنَةً، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى النَّصْرِ وَالظَّفَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

( «وَاسْتَأْذَنَهُ الْأَنْصَارُ أَنْ يَتْرُكُوا للعباس عَمِّهِ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لَا تَدَعُوا مِنْهُ دِرْهَمًا» ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>