للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَمَلُ الْيَدِ فِي غَيْرِ الصَّنَائِعِ الدَّنِيئَةِ كَالْحِجَامَةِ وَنَحْوِهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ الزِّرَاعَةُ، وَلِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ وَجْهٌ مِنَ التَّرْجِيحِ أَثَرًا وَنَظَرًا، وَالرَّاجِحُ أَنَّ أَحَلَّهَا الْكَسْبُ الَّذِي جُعِلَ مِنْهُ رِزْقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَسْبُ الْغَانِمِينَ وَمَا أُبِيحَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ، وَهَذَا الْكَسْبُ قَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَدْحُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأُثْنِيَ عَلَى أَهْلِهِ مَا لَمْ يُثْنَ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لِخَيْرِ خَلْقِهِ، وَخَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ حَيْثُ يَقُولُ: ( «بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي» ) ، وَهُوَ الرِّزْقُ الْمَأْخُوذُ بِعَزَّةٍ وَشَرَفٍ وَقَهْرٍ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ، وَجُعِلَ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَى اللَّهِ، فَلَا يُقَاوِمُهُ كَسْبٌ غَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ عَسْبِ الْفَحْلِ وَضِرَابِهِ]

فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ عَسْبِ الْفَحْلِ وَضِرَابِهِ

فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» ) .

وَفِي " صَحِيحِ مسلم " عَنْ جابر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «نَهَى عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْفَحْلِ» ) .

وَهَذَا الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ، وَسَمَّى أُجْرَةَ ضِرَابِهِ بَيْعًا؛ إِمَّا لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ هُوَ الْمَاءَ الَّذِي لَهُ، فَالثَّمَنُ مَبْذُولٌ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ مَائِهِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ، وَإِمَّا أَنَّهُ سَمَّى إِجَارَتَهُ لِذَلِكَ بَيْعًا، إِذْ هِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَهِيَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، وَالْعَادَةُ أَنَّهُمْ يَسْتَأْجِرُونَ الْفَحْلَ لِلضِّرَابِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، وَالْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ أحمد وَالشَّافِعِيُّ، وأبو حنيفة وَأَصْحَابُهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>