قُلْتُ: هَذَا مَعَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، فَهُوَ خِلَافُ مَا رَوَاهُ جابر عَنْهُ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ نَهَارًا، وَكَذَلِكَ رَوَتْ عائشة وَابْنُ عُمَرَ، كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ اسْتَلَمَهُ» ، هَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَهُوَ فِي إِحْدَى عُمَرِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ الرَّمَلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي السَّعْيِ: إِنَّهُ رَمَلَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَإِنَّ مَنْ رَمَلَ عَلَى بَعِيرِهِ فَقَدْ رَمَلَ، لَكِنْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[غَلَطُ ابْنِ حَزْمٍ وَبَيَانُ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ]
فَصْلٌ
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَطَافَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيْضًا سَبْعًا، رَاكِبًا عَلَى بَعِيرِهِ يَخُبُّ ثَلَاثًا، وَيَمْشِي أَرْبَعًا، وَهَذَا مِنْ أَوْهَامِهِ وَغَلَطِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ هَذَا قَطُّ غَيْرَهُ، وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَتَّةَ. وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، فَغَلِطَ أبو محمد وَنَقَلَهُ إِلَى الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِدْلَالُهُ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» . . وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ عَدَدَ الرَّمَلِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَنْصُوصًا، وَلَكِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. هَذَا لَفْظُهُ.
قُلْتُ: الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ: السَّعْيُ فِي بَطْنِ الْوَادِي فِي الْأَشْوَاطِ كُلِّهَا. وَأَمَّا الرَّمَلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ خَاصَّةً، فَلَمْ يَقُلْهُ، وَلَا نَقَلَهُ فِيمَا نَعْلَمُ غَيْرُهُ. وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ أَغْلَاطِهِ، وَهُوَ لَمْ يَحُجَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى.
وَيُشْبِهُ هَذَا الْغَلَطَ غَلَطُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ سَعَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَكَانَ يَحْتَسِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute