فَتُقَدَّمُ نِسَاءُ الْحَضَانَةِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ إِلَّا عَلَى مَنْ أَدْلَيْنَ بِهِ، فَلَا تُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُنَّ فَرْعُهُ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تُقَدَّمُ أُمُّ الْأَبِ عَلَى الْأَبِ، وَلَا الْأُخْتُ وَالْعَمَّةُ عَلَيْهِ، وَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ أُمُّ الْأُمِّ، وَالْخَالَةُ، وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ جِدًّا؛ إِذْ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيمَ قَرَابَةِ الْأُمِّ الْبَعِيدَةِ عَلَى الْأَبِ وَأُمِّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَبَ إِذَا قُدِّمَ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ فَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهَا، فَكَيْفَ تُقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ نَفْسِهِ؟ هَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ.
الثَّالِثُ: تَقْدِيمُ نِسَاءِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَأُمَّهَاتِهِ وَسَائِرِ مَنْ فِي جِهَتِهِ، قَالُوا: فَعَلَى هَذَا، فَكُلُّ امْرَأَةٍ فِي دَرَجَةِ رَجُلٍ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ مَنْ أَدْلَى بِهَا عَلَى مَنْ أَدْلَى بِالرَّجُلِ، فَلَمَّا قُدِّمَتِ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ وَهِيَ فِي دَرَجَتِهِ قُدِّمَتِ الْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ عَلَى الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ، وَقُدِّمَتِ الْخَالَةُ عَلَى الْعَمَّةِ. هَذَا تَقْرِيرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " مُحَرَّرِهِ " مِنْ تَنْزِيلِ نَصِّ أحمد عَلَى هَذِهِ الْمَحَامِلِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ نُصُوصِهِ فِي تَقْدِيمِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ وَعَلَى الْخَالَةِ، وَتَقْدِيمِ خَالَةِ الْأَبِ عَلَى خَالَةِ الْأُمِّ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْخِرَقِيُّ فِي " مُخْتَصَرِهِ " غَيْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَخَرَّجَهَا ابن عقيل عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أُمِّ الْأُمِّ، وَأُمِّ الْأَبِ، وَلَكِنَّ نَصَّهُ مَا ذَكَرَهُ الخرقي، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي حَكَاهَا صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " ضَعِيفَةٌ مَرْجُوحَةٌ، فَلِهَذَا جَاءَتْ فُرُوعُهَا وَلَوَازِمُهَا أَضْعَفَ مِنْهَا بِخِلَافِ سَائِرِ نُصُوصِهِ فِي جَادَّةِ مَذْهَبِهِ.
[فصل ضابط في الحضانة لأصحاب أحمد]
فَصْلٌ وَقَدْ ضَبَطَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ هَذَا الْبَابَ بِضَابِطٍ، فَقَالَ: كُلُّ عَصَبَةٍ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ هِيَ أَبْعَدُ مِنْهُ، وَيَتَأَخَّرُ عَمَّنْ هِيَ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَإِذَا تَسَاوَيَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ. فَعَلَى هَذَا الضَّابِطِ يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى أُمِّهِ، وَعَلَى أُمِّ الْأُمِّ وَمَنْ مَعَهَا، وَيُقَدَّمُ الْأَخُ عَلَى ابْنَتِهِ وَعَلَى الْعَمَّةِ، وَالْعَمُّ عَلَى عَمَّةِ الْأَبِ، وَتُقَدَّمُ أُمُّ الْأَبِ عَلَى جَدِّ الْأَبِ، وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى أَبِ الْأَبِ وَجْهَانِ. وَفِي تَقْدِيمِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَجْهَانِ، وَفِي تَقْدِيمِ الْعَمَّةِ عَلَى الْعَمِّ وَجْهَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute