للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِنَايَةً، فَلَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، لَزِمَهُ طَلَاقُ امْرَأَتِهِ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّرْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ شَرْعًا وَاسْتِعْمَالًا، أَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُطَلِّقُ بِهِ الْبَتَّةَ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: ٤٩] [الْأَحْزَابُ: ٤٩] فَهَذَا السَّرَاحُ غَيْرُ الطَّلَاقِ قَطْعًا، وَكَذَلِكَ الْفِرَاقُ اسْتَعْمَلَهُ الشَّرْعُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] [الطَّلَاقِ: ٢] فَالْإِمْسَاكُ هُنَا: الرَّجْعَةُ، وَالْمُفَارَقَةُ: تَرْكُ الرَّجْعَةِ لَا إِنْشَاءُ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ، هَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ، فُهِمَ مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ يُفْهَمْ، وَكِلَاهُمَا فِي الْبُطْلَانِ سَوَاءٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظِّهَارِ وَبَيَانُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَعْنَى الْعَوْدِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ]

حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظِّهَارِ

وَبَيَانُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَعْنَى الْعَوْدِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ

قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ - وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ - فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: ٢ - ٤] [الْمُجَادَلَةِ: ٢ - ٤] .

ثَبَتَ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ: أَنَّ أوس بن الصامت ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ خولة بنت مالك بن ثعلبة، وَهِيَ الَّتِي جَادَلَتْ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتَكَتْ إِلَى اللَّهِ، وَسَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، فَقَالَتْ: ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أوس بن الصامت تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِيَّ، فَلَمَّا خَلَا سِنِّي، وَنَثَرَتْ لَهُ بَطْنِي، جَعَلَنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>