للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أبو محمد: فَهَذَا أنس فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ، وَلَهَا زَوْجٌ، وَهُوَ أبو طلحة بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، وَالْخَبَرُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِ أَنَسٍ لَمْ يُنَازِعْ أُمَّهُ فِيهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ طِفْلٌ صَغِيرٌ، لَمْ يُثْغِرْ، وَلَمْ يَأْكُلْ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَشْرَبْ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُمَيِّزْ، وَأُمُّهُ مُزَوَّجَةٌ، فَحَكَمَ بِهِ لِأُمِّهِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ كُلِّهَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ كَانَ لِأَنَسٍ مِنَ الْعُمُرِ عَشْرُ سِنِينَ، فَكَانَ عِنْدَ أُمِّهِ، فَلَمَّا تَزَوَّجَتْ أبا طلحة لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِ أنس يُنَازِعُهَا فِي وَلَدِهَا وَيَقُولُ: قَدْ تَزَوَّجْتِ فَلَا حَضَانَةَ لَكِ، وَأَنَا أَطْلُبُ انْتِزَاعَهُ مِنْكِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ حَضَانَةُ ابْنِهَا إِذَا اتَّفَقَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ وَأَقَارِبُ الطِّفْلِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَاصِمَهَا مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ، وَيَطْلُبَ انْتِزَاعَ الْوَلَدِ، فَالِاحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ أَبْعَدِ الِاحْتِجَاجِ وَأَبْرَدِهِ.

وَنَظِيرُ هَذَا أَيْضًا، احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ أم سلمة لَمَّا تَزَوَّجَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَسْقُطْ كَفَالَتُهَا لِابْنِهَا، بَلِ اسْتَمَرَّتْ عَلَى حَضَانَتِهَا، فَيَا عَجَبًا مِنَ الَّذِي نَازَعَ أم سلمة فِي وَلَدِهَا وَرَغِبَ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِابْنَةِ حمزة لِخَالَتِهَا وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ بجعفر، فَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي قِصَّةِ ابْنَةِ حمزة ثَلَاثَ مَآخِذَ. أَحَدُهَا: أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُسْقِطُ الْحَضَانَةَ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَحْضُونَةَ إِذَا كَانَتْ بِنْتًا فَنِكَاحُ أُمِّهَا لَا يُسْقِطُ حَضَانَتَهَا، وَيُسْقِطُهَا إِذَا كَانَ ذَكَرًا. الثَّالِثُ: أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ نَسِيبًا مِنَ الطِّفْلِ لَمْ تَسْقُطْ حَضَانَتُهَا، وَإِلَّا سَقَطَتْ، فَالِاحْتِجَاجُ بِالْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُسْقِطُ الْحَضَانَةَ مُطْلَقًا لَا يَتِمُّ إِلَّا بَعْدَ إِبْطَالِ ذَيْنِكَ الِاحْتِمَالَيْنِ الْآخَرَيْنِ.

[فصل قَضَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلَدِ لِأُمِّهِ]

فَصْلٌ وَقَضَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلَدِ لِأُمِّهِ وَقَوْلُهُ: ( «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» ) لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ عُمُومُ الْقَضَاءِ لِكُلِّ أُمٌّ حَتَّى يَقْضِيَ بِهِ لِلْأُمِّ. وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً، أَوْ رَقِيقَةً، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>