السَّوَادِ أَحْيَانًا، وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَ خُلَفَاءُ بَنِي الْعَبَّاسِ لُبْسَ السَّوَادِ شِعَارًا لَهُمْ، وَلِوُلَاتِهِمْ، وَقُضَاتِهِمْ، وَخُطَبَائِهِمْ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَلْبَسْهُ لِبَاسًا رَاتِبًا، وَلَا كَانَ شِعَارَهُ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالْمَجَامِعِ الْعِظَامِ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ لَهُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ دُونَ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَكُنْ سَائِرُ لِبَاسِهِ يَوْمَئِذٍ السَّوَادَ، بَلْ كَانَ لِوَاؤُهُ أَبْيَضَ.
[فصل مَتَى حُرِّمَتْ مُتْعَةُ النِّسَاءِ]
فَصْلٌ
وَمِمَّا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، إِبَاحَةُ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، ثُمَّ حَرَّمَهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي حُرِّمَتْ فِيهِ الْمُتْعَةُ، عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَطَائِفَةٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَامَ حُنَيْنٍ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي، لِاتِّصَالِ غَزَاةِ حُنَيْنٍ بِالْفَتْحِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، سَافَرَ فِيهِ وَهْمُهُ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، كَمَا سَافَرَ وَهْمُ معاوية مِنْ عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ إِلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، حَيْثُ قَالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ عَلَى الْمَرْوَةِ فِي حَجَّتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ، وَسَفَرُ الْوَهْمِ مِنْ زَمَانٍ إِلَى زَمَانٍ، وَمِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَمِنْ وَاقِعَةٍ إِلَى وَاقِعَةٍ كَثِيرًا مَا يَعْرِضُ لِلْحُفَّاظِ فَمَنْ دُونَهُمْ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُتْعَةَ إِنَّمَا حُرِّمَتْ عَامَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مسلم " أَنَّهُمُ اسْتَمْتَعُوا عَامَ الْفَتْحِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِذْنِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّحْرِيمُ زَمَنَ خَيْبَرَ، لَزِمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا لَا عَهْدَ بِمِثْلِهِ فِي الشَّرِيعَةِ الْبَتَّةَ، وَلَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِيهَا، وَأَيْضًا: فَإِنَّ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمَاتٌ، وَإِنَّمَا كُنَّ يَهُودِيَّاتٍ، وَإِبَاحَةُ نِسَاءِ أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute