للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَوْضِعَ الرُّقْيَةِ مِنْهَا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ مِنْ أَقْوَى أَجْزَاءِ هَذَا الدَّوَاءِ، فَإِنَّ فِيهِمَا مِنْ عُمُومِ التَّفْوِيضِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالِالْتِجَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ، وَالِافْتِقَارِ وَالطَّلَبِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ أَعْلَى الْغَايَاتِ، وَهِيَ عِبَادَةُ الرَّبِّ وَحْدَهُ، وَأَشْرَفِ الْوَسَائِلِ وَهِيَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ، مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا، وَلَقَدْ مَرَّ بِي وَقْتٌ بِمَكَّةَ سَقِمْتُ فِيهِ، وَفَقَدْتُ الطَّبِيبَ وَالدَّوَاءَ، فَكُنْتُ أَتَعَالَجُ بِهَا آخُذُ شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَقْرَؤُهَا عَلَيْهَا مِرَارًا، ثُمَّ أَشْرَبُهُ فَوَجَدْتُ بِذَلِكَ الْبُرْءَ التَّامَّ، ثُمَّ صِرْتُ أَعْتَمِدُ ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْجَاعِ فَأَنْتَفِعُ بِهَا غَايَةَ الِانْتِفَاعِ.

[فَصْلٌ نَفْسُ الرَّاقِي تَفْعَلُ فِي نَفْسِ الْمَرْقِيِّ فَتَدْفَعُ عَنْهُ الْمَرَضَ بِإِذْنِ اللَّهِ]

فَصْلٌ

وَفِي تَأْثِيرِ الرُّقَى بِالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي عِلَاجِ ذَوَاتِ السُّمُومِ سِرٌّ بَدِيعٌ، فَإِنَّ ذَوَاتِ السُّمُومِ أَثَّرَتْ بِكَيْفِيَّاتِ نُفُوسِهَا الْخَبِيثَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَسِلَاحُهَا حُمَاتُهَا الَّتِي تَلْدَغُ بِهَا، وَهِيَ لَا تَلْدَغُ حَتَّى تَغْضَبَ، فَإِذَا غَضِبَتْ ثَارَ فِيهَا السُّمُّ، فَتَقْذِفُهُ بِآلَتِهَا، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، وَلِكُلِّ شَيْءٍ ضِدًّا، وَنَفْسُ الرَّاقِي تَفْعَلُ فِي نَفْسِ الْمَرْقِيِّ، فَيَقَعُ بَيْنَ نَفْسَيْهِمَا فِعْلٌ وَانْفِعَالٌ، كَمَا يَقَعُ بَيْنَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، فَتَقْوَى نَفْسُ الرَّاقِي وَقُوَّتُهُ بِالرُّقْيَةِ عَلَى ذَلِكَ الدَّاءِ فَيَدْفَعُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمَدَارُ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَدْوَاءِ عَلَى الْفِعْلِ وَالِانْفِعَالِ، وَهُوَ كَمَا يَقَعُ بَيْنَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ الطَّبِيعِيَّيْنِ، يَقَعُ بَيْنَ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ الرُّوحَانِيَّيْنِ، وَالرُّوحَانِيُّ، وَالطَّبِيعِيُّ، وَفِي النَّفْثِ وَالتَّفْلِ اسْتِعَانَةٌ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ وَالْهَوَاءِ، وَالنَّفَسِ الْمُبَاشِرِ لِلرُّقْيَةِ، وَالذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ، فَإِنَّ الرُّقْيَةَ تَخْرُجُ مِنْ قَلْبِ الرَّاقِي وَفَمِهِ، فَإِذَا صَاحَبَهَا شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ بَاطِنِهِ مِنَ الرِّيقِ وَالْهَوَاءِ وَالنَّفَسِ، كَانَتْ أَتَمَّ تَأْثِيرًا، وَأَقْوَى فِعْلًا وَنُفُوذًا، وَيَحْصُلُ بِالِازْدِوَاجِ بَيْنَهُمَا كَيْفِيَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ شَبِيهَةٌ بِالْكَيْفِيَّةِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ تَرْكِيبِ الْأَدْوِيَةِ.

وَبِالْجُمْلَةِ: فَنَفْسُ الرَّاقِي تُقَابِلُ تِلْكَ النَّفُوسَ الْخَبِيثَةَ، وَتَزِيدُ بِكَيْفِيَّةِ نَفْسِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>