للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل رَدُّ حَدِيثِ سَهْلَةَ بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دُخُولِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ]

فَصْلٌ الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: أَنَّ حَدِيثَ سهلة لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، وَلَا مَخْصُوصٍ، وَلَا عَامٍّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ دُخُولِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَيَشُقُّ احْتِجَابُهَا عَنْهُ، كَحَالِ سالم مَعَ امْرَأَةِ أبي حذيفة، فَمِثْلُ هَذَا الْكَبِيرِ إِذَا أَرْضَعَتْهُ لِلْحَاجَةِ أَثَّرَ رَضَاعُهُ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُ، فَلَا يُؤَثِّرُ إِلَّا رَضَاعُ الصَّغِيرِ، وَهَذَا مَسْلَكُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْأَحَادِيثُ النَّافِيَةُ لِلرَّضَاعِ فِي الْكَبِيرِ إِمَّا مُطْلَقَةٌ، فَتُقَيَّدُ بِحَدِيثِ سهلة، أَوْ عَامَّةٌ فِي الْأَحْوَالِ فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْحَالِ مِنْ عُمُومِهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ وَدَعْوَى التَّخْصِيصِ بِشَخْصِ بِعَيْنِهِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْعَمَلِ بِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَشْهَدُ لَهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[ذِكْرُ حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِدَدِ]

[عِدَّةُ الْحَامِلِ]

ذِكْرُ حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِدَدِ

هَذَا الْبَابُ قَدْ تَوَلَّى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - بَيَانَهُ فِي كِتَابِهِ أَتَمَّ بَيَانٍ، وَأَوْضَحَهُ، وَأَجْمَعَهُ بِحَيْثُ لَا تَشِذُّ عَنْهُ مُعْتَدَّةٌ، فَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعِدَدِ، وَهِيَ جُمْلَةُ أَنْوَاعِهَا.

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: عِدَّةُ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مُطْلَقًا بَائِنَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً، مُفَارِقَةً فِي الْحَيَاةِ، أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا، فَقَالَ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] [الطَّلَاقِ: ٤] وَهَذَا فِيهِ عُمُومٌ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ.

أَحَدُهَا: عُمُومُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهُوَ أُولَاتُ الْأَحْمَالِ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُنَّ.

الثَّانِي: عُمُومُ الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِنَّ، وَإِضَافَةُ اسْمِ الْجَمْعِ إِلَى الْمَعْرِفَةِ يَعُمُّ، فَجَعَلَ وَضْعَ الْحَمْلِ جَمِيعَ أَجَلِهِنَّ، فَلَوْ كَانَ لِبَعْضِهِنَّ أَجَلٌ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ جَمِيعَ أَجَلِهِنَّ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ مَعْرِفَتَانِ، أَمَّا الْمُبْتَدَأُ: فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْخَبَرُ - وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] [الطَّلَاقِ: ٤] ، فَفِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُضَافٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>