للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ يَكْتَفِي بِخَارِصٍ وَاحِدٍ. فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ خَرْصِ الثِّمَارِ الْبَادِي صَلَاحُهَا كَثَمَرِ النَّخْلِ، وَعَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الثِّمَارِ خَرْصًا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، وَيَصِيرُ نَصِيبُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَعْلُومًا وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بَعْدُ لِمَصْلَحَةِ النَّمَاءِ، وَعَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إِفْرَازٌ لَا بَيْعٌ، وَعَلَى جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِخَارِصٍ وَاحِدٍ وَقَاسِمٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى أَنَّ لِمَنِ الثِّمَارُ فِي يَدِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بَعْدَ الْخَرْصِ، وَيَضْمَنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ الَّذِي خَرَصَ عَلَيْهِ.

فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عمر، ذَهَبَ عبد الله ابْنُهُ إِلَى مَالِهِ بِخَيْبَرَ، فَعَدَوْا عَلَيْهِ، فَأَلْقَوْهُ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ، فَفَكُّوا يَدَهُ فَأَجْلَاهُمْ عمر مِنْهَا إِلَى الشَّامِ، وَقَسَمَهَا بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ.

[فصل في عَقْدُ الذِّمَّةِ وَأَخْذُ الْجِزْيَةِ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا هَدْيُهُ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ جِزْيَةً إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ (سُورَةِ بَرَاءَةٌ) فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ، أَخَذَهَا مِنَ الْمَجُوسِ، وَأَخَذَهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَخَذَهَا مِنَ النَّصَارَى، وَبَعَثَ معاذا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَعَقَدَ لِمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ يَهُودِهَا الذِّمَّةَ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ، فَظَنَّ بَعْضُ الْغَالِطِينَ الْمُخْطِئِينَ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ خَيْبَرَ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا مِنْ عَدَمِ فِقْهِهِ فِي السِّيَرِ وَالْمَغَازِي، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَهُمْ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُقِرَّهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ وَلَمْ تَكُنِ الْجِزْيَةُ نَزَلَتْ بَعْدُ، فَسَبَقَ عَقْدُ صُلْحِهِمْ وَإِقْرَارُهُمْ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ نُزُولَ الْجِزْيَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُقَاتِلَ أَهْلَ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>