للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَدُّ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَبْسُ وَالْعُقُوبَةُ الْمَطْلُوبَةُ، فَلَا يَتَعَيَّنُ إِرَادَةُ الْحَدِّ بِهِ، فَإِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْمُطْلَقِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُقَيَّدِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ، وَأَدْنَى دَرَجَاتِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ، فَلَا يَثْبُتُ الْحَدُّ مَعَ قِيَامِهِ، وَقَدْ يُرَجَّحُ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عمر وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (إِنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الِاعْتِرَافِ أَوِ الْحَبَلِ)

ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِيمَا يُصْنَعُ بِهَا إِذَا لَمْ تُلَاعِنْ، فَقَالَ أحمد: إِذَا أَبَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَلْتَعِنَ بَعْدَ الْتِعَانِ الرَّجُلِ أَجْبَرْتُهَا عَلَيْهِ وَهِبْتُ أَنْ أَحْكُمَ عَلَيْهَا بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِلِسَانِهَا لَمْ أَرْجُمْهَا إِذَا رَجَعَتْ، فَكَيْفَ إِذَا أَبَتِ اللِّعَانَ؟ وَعَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: يُخَلَّى سَبِيلُهَا، اخْتَارَهَا أبو بكر؛ لِأَنَّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ، فَيَجِبُ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا كَمَا لَوْ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ.

[فصل حُجَجُ الْمُوجِبِينَ لِلْحَدِّ]

فَصْلٌ

قَالَ الْمُوجِبُونَ لِلْحَدِّ: مَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْتِعَانَ الزَّوْجِ بَدَلًا عَنِ الشُّهُودِ وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ، بَلْ جَعَلَ الْأَزْوَاجَ الْمُلْتَعِنِينَ شُهَدَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ لِعَانَهُمْ شَهَادَةٌ، وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٨] ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ قَدْ وُجِدَ، وَأَنَّهُ لَا يَدْفَعُهُ عَنْهَا إِلَّا لِعَانُهَا، وَالْعَذَابُ الْمَدْفُوعُ عَنْهَا بِلِعَانِهَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢] ، وَهَذَا عَذَابُ الْحَدِّ قَطْعًا، فَذَكَرَهُ مُضَافًا وَمُعَرَّفًا بِلَامِ الْعَهْدِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى عُقُوبَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي اللَّفْظِ، وَلَا دُلَّ عَلَيْهَا بِوَجْهٍ مَا مِنْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَكَيْفَ يُخَلَّى سَبِيلُهَا وَيُدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابُ بِغَيْرِ لِعَانٍ؟ وَهَلْ هَذَا إِلَّا مُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ؟

قَالُوا: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِعَانَ الزَّوْجِ دَارِئًا لِحَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ، وَجَعَلَ لِعَانَ الزَّوْجَةِ دَارِئًا لِعَذَابِ حَدِّ الزِّنَى عَنْهَا، فَكَمَا أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا لَمْ يُلَاعِنْ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ، فَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ إِذَا لَمْ تُلَاعِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>