للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ حُجَجُ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ ظِهَارٌ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، أَوْ وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ: أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ فَمَأْخَذُ قَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْرِيرِ كَوْنِهِ ظِهَارًا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ ظِهَارًا بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، أَوْ قَالَ: أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنِ الظِّهَارِ، وَيَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، إِلَّا عَلَى قَوْلٍ شَاذٍّ، لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ؛ لِمُوَافَقَتِهِ مَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ جَعْلِ الظِّهَارِ طَلَاقًا، وَنَسْخِ الْإِسْلَامِ لِذَلِكَ وَإِبْطَالِهِ، فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ إِطْلَاقِ لَفْظِ الظِّهَارِ طَلَاقًا، وَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ شَرْعًا، فَلَا تُؤَثِّرُ نِيَّتُهُ فِي تَغْيِيرِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ، ثُمَّ جَرَى أحمد وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ إِيقَاعِ ذَلِكَ، وَالْحَلِفِ بِهِ كَالطَّلَاقِ، وَالْعِتَاقِ، وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالْحَلِفِ، كَمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وأحمد - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَمَنْ وَافَقَهُمَا بَيْنَ الْبَابَيْنِ فِي النَّذْرِ، بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ بِهِ فَيَكُونَ يَمِينًا مُكَفَّرَةً، وَبَيْنَ أَنْ يُنَجِّزَهُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ يَقْصِدُ وُقُوعَهُ، فَيَكُونُ نَذْرًا لَازِمَ الْوَفَاءِ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي الْأَيْمَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ: فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ إِنْشَاءِ التَّحْرِيمِ، وَبَيْنَ الْحَلِفِ، فَيَكُونُ فِي الْحَلِفِ بِهِ حَالِفًا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَفِي تَنْجِيزِهِ أَوْ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ مَقْصُودٍ مُظَاهِرًا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَهَذَا مُقْتَضَى الْمَنْقُولِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّهُ مَرَّةً جَعَلَهُ ظِهَارًا، وَمَرَّةً جَعَلَهُ يَمِينًا.

[فَصْلٌ حُجَجُ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، فَمَأْخَذُ قَوْلِهِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ يَمِينٌ، تُكَفَّرُ بِالنَّصِّ، وَالْمَعْنَى، وَآثَارِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ١ - ٢] [التَّحْرِيمِ: ١ و٢]

وَلَا بُدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>