بِخِلَافِ تِلْكَ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ بَيْنَ الْمُرْتَضِعِ وَبَيْنَ صَاحِبِ اللَّبَنِ، فَسَوَاءٌ ثَبَتَتْ أُمُومَةُ الْمُرْضِعَةِ أَوْ لَا، فَعَلَى هَذَا إِذَا قُلْنَا: يَصِيرُ أَخُوهُنَّ خَالًا، فَهَلْ تَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَالَةً لَهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَكُونُ خَالَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِعْ مِنْ لَبَنِ أَخَوَاتِهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَلَا تَثْبُتُ الْخُؤُولَةُ. وَالثَّانِي: تَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ مِنَ اللَّبَنِ الْمُحَرَّمِ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَكَانَ مَا ارْتَضَعَ مِنْهَا وَمِنْ أَخَوَاتِهَا مُثْبِتًا لِلْخُؤُولَةِ، وَلَا تَثْبُتُ أُمُومَةُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِذْ لَمْ يَرْتَضِعْ مِنْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَلَا يُسْتَبْعَدُ ثُبُوتُ خُؤُولَةٍ بِلَا أُمُومَةٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي لَبَنِ الْفَحْلِ أُبُوَّةٌ بِلَا أُمُومَةٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْخُؤُولَةَ فَرْعٌ مَحْضٌ عَلَى الْأُمُومَةِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ فَرْعُهُ؟ بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ فَإِنَّهُمَا أَصْلَانِ لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا انْتِفَاءُ الْآخَرِ.
وَعَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ مَا لَوْ كَانَ لِرِجْلٍ أُمٌّ وَأُخْتٌ وَابْنَةٌ وَزَوْجَةُ ابْنٍ، فَأَرْضَعْنَ طِفْلَةً كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً لَمْ تَصِرْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أُمَّهَا، وَهَلْ تَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَوْجَهُهُمَا: مَا تَقَدَّمَ. وَالتَّحْرِيمُ هَاهُنَا بَعِيدٌ؛ فَإِنَّ هَذَا اللَّبَنَ الَّذِي كَمَلَ لِلطِّفْلِ لَا يَجْعَلُ الرَّجُلَ أَبًا لَهُ وَلَا جَدًّا وَلَا أَخًا وَلَا خَالًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل تَحْرِيمُ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزَّانِي]
فَصْلٌ وَقَدْ دَلَّ التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزَّانِي دَلَالَةَ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ قَدْ تَغَذَّتْ بِلَبَنٍ ثَارَ بِوَطْئِهِ، فَكَيْفَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ قَدْ خُلِقَ مِنْ نَفْسِ مَائِهِ بِوَطْئِهِ؟ وَكَيْفَ يُحَرِّمُ الشَّارِعُ بِنْتَهُ مِنَ الرَّضَاعِ لِمَا فِيهَا مِنْ لَبَنٍ كَانَ وَطْءُ الرَّجُلِ سَبَبًا فِيهِ، ثُمَّ يُبِيحُ لَهُ نِكَاحَ مَنْ خُلِقَتْ بِنَفْسِ وَطْئِهِ وَمَائِهِ؟ هَذَا مِنَ الْمُسْتَحِيلِ؛ فَإِنَّ الْبَعْضِيَّةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَائِهِ أَكْمَلُ وَأَتَمُّ مِنَ الْبَعْضِيَّةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَغَذَّتْ بِلَبَنِهِ، فَإِنَّ بِنْتَ الرَّضَاعِ فِيهَا جُزْءٌ مَا مِنَ الْبَعْضِيَّةِ، وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ كَاسْمِهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ، فَنِصْفُهَا أَوْ أَكْثَرُهَا بَعْضُهُ قَطْعًا، وَالشَّطْرُ الْآخَرُ لِلْأُمِّ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُعْرَفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute