الْمُشْرِكِينَ أَسْرًا وَقَتْلًا، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.
[ظُهُورُ إِبْلِيسَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ الْكِنَانِيِّ وَوَسْوَسَتُهُ لِقُرَيْشٍ]
فَصْلٌ
وَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ، ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي كِنَانَةَ مِنَ الْحَرْبِ، فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سراقة بن مالك المدلجي، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَخَرَجُوا وَالشَّيْطَانُ جَارٌ لَهُمْ لَا يُفَارِقُهُمْ، فَلَمَّا تَعَبَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَرَأَى عَدُوُّ اللَّهِ جُنْدَ اللَّهِ قَدْ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ، فَرَّ وَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَقَالُوا: إِلَى أَيْنَ يَا سراقة؟ أَلَمْ تَكُنْ قُلْتَ: إِنَّكَ جَارٌ لَنَا لَا تُفَارِقُنَا؟ فَقَالَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَكَذَبَ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَقِيلَ: كَانَ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَهْلِكَ مَعَهُمْ، وَهَذَا أَظْهَرُ.
وَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ قِلَّةَ حِزْبِ اللَّهِ وَكَثْرَةَ أَعْدَائِهِ، ظَنُّوا أَنَّ الْغَلَبَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالْكَثْرَةِ، وَقَالُوا: {غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ} [الأنفال: ٤٩] [الْأَنْفَالِ: ٤٩] ، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ النَّصْرَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ لَا بِالْكَثْرَةِ، وَلَا بِالْعَدَدِ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ لَا يُغَالَبُ، حَكِيمٌ يَنْصُرُ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّصْرَ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَعِزَّتُهُ وَحِكْمَتُهُ أَوْجَبَتْ نَصْرَ الْفِئَةِ الْمُتَوَكِّلَةِ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا دَنَا الْعَدُوُّ وَتَوَاجَهَ الْقَوْمُ، «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَوَعَظَهُمْ، وَذَكَّرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِي الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ الْعَاجِلِ، وَثَوَابِ اللَّهِ الْآجِلِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِمَنِ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِهِ، فَقَامَ عمير بن الحمام، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ قَالَ: (" نَعَمْ ". قَالَ: بَخٍ بَخٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: " فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا " قَالَ: فَأَخْرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute