عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِحَاجَةٍ، فَرَدَّ اللَّهُ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ كَآبَةٍ وَجَزَعٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا عَلَى العباس، فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَأَشْرَقَتْ وُجُوهُ الْمُسْلِمِينَ.
[فَصْلٌ فِيمَا كَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ]
[جَوَازُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ]
فَصْلٌ فِيمَا كَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ فَمِنْهَا مُحَارَبَةُ الْكُفَّارِ وَمُقَاتَلَتُهُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَمَكَثَ بِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ سَارَ إِلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرَّمِ، كَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عروة، عَنْ مروان وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: خَرَجَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَلَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ خُرُوجَهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ الْمُحَرَّمِ، لَا فِي أَوَّلِهِ، وَفَتْحُهَا إِنَّمَا كَانَ فِي صَفَرَ.
وَأَقْوَى مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بَيْعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ عَلَى الْقِتَالِ، وَأَلَّا يَفِرُّوا، وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا عُثْمَانَ وَهُمْ يُرِيدُونَ قِتَالَهُ، فَحِينَئِذٍ بَايَعَ الصَّحَابَةَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِذَا بَدَأَ الْعَدُوُّ، إِنَّمَا الْخِلَافُ أَنْ يُقَاتَلَ فِيهِ ابْتِدَاءً، فَالْجُمْهُورُ جَوَّزُوهُ وَقَالُوا: تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِيهِ مَنْسُوخٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَذَهَبَ عطاء وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَكَانَ عطاء يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا يَحِلُّ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَا نَسَخَ تَحْرِيمَهُ شَيْءٌ.
وَأَقْوَى مِنْ هَذَيْنِ الِاسْتِدْلَالَيْنِ الِاسْتِدْلَالُ بِحِصَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلطَّائِفِ؛ فَإِنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهَا فِي أَوَاخِرِ شَوَّالٍ، فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَبَعْضُهَا كَانَ فِي ذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute