أَضْعَافِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَبَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ لَفْظِ أَشْهَدُ.
وَقَدْ تَنَازَعَ الْإِمَامُ أحمد، وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ فِي الشَّهَادَةِ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ علي: (أَقُولُ هُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا أَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ الْإِمَامُ أحمد: مَتَى قُلْتَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ فَقَدْ شَهِدْتَ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ لَفْظُ أَشْهَدُ. وَحَدِيثُ أبي قتادة مِنْ أَبْيَنِ الْحُجَجِ فِي ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: إِخْبَارُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ السَّلَبُ إِنَّمَا كَانَ إِقْرَارًا بِقَوْلِهِ هُوَ عِنْدِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ.
قِيلَ: تَضَمَّنَ كَلَامُهُ شَهَادَةً وَإِقْرَارًا بِقَوْلِهِ " صَدَقَ "، شَهَادَةً لَهُ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ، وَقَوْلُهُ: هُوَ " عِنْدِي " إِقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ عِنْدَهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا قَضَى بِالسَّلَبِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وَكَانَ تَصْدِيقُ هَذَا هُوَ الْبَيِّنَةَ.
[فصل في أن السلب جميعه للقاتل]
فَصْلٌ
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَلَهُ سَلَبُهُ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ سَلَبَهُ كُلَّهُ غَيْرَ مُخَمَّسٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ لَمَّا قَتَلَ قَتِيلًا: ( «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» ) .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ هَذَا أَحَدُهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُخَمَّسُ كَالْغَنِيمَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِدُخُولِهِ فِي آيَةِ الْغَنِيمَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِمَامَ إِنِ اسْتَكْثَرَهُ خَمَّسَهُ، وَإِنِ اسْتَقَلَّهُ لَمْ يُخَمِّسْهُ، وَهُوَ قَوْلُ إسحاق، وَفَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَرَوَى سعيد فِي " سُنَنِهِ " عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ بَارَزَ مرزبان الْمَرَازِبَةِ بِالْبَحْرَيْنِ فَطَعَنَهُ، فَدَقَّ صُلْبَهُ، وَأَخَذَ سِوَارَيْهِ وَسَلَبَهُ، فَلَمَّا صَلَّى عمر الظُّهْرَ أَتَى البراء فِي دَارِهِ، فَقَالَ: ( «إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَإِنَّ سَلَبَ البراء قَدْ بَلَغَ مَالًا، وَأَنَا خَامِسُهُ» ) ، فَكَانَ أَوَّلَ سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الْإِسْلَامِ سَلَبُ البراء وَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute