لَمْ يَمْلِكْ إِبَانَتَهَا بِثَلَاثٍ مَجْمُوعَةٍ، إِذْ هُوَ خِلَافُ شَرْعِهِ.
وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْأُمَّةِ طَلَاقًا بَائِنًا قَطُّ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: طَلَاقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا.
وَالثَّانِي: الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَمَا عَدَاهُ مِنَ الطَّلَاقِ، فَقَدْ جَعَلَ لِلزَّوْجِ فِيهِ الرَّجْعَةَ، هَذَا مُقْتَضَى الْكِتَابِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، مِنْهُمُ: الْإِمَامُ أحمد، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، قَالُوا: لَا يَمْلِكُ إِبَانَتَهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ إِلَّا فِي الْخُلْعِ.
وَلِأَصْحَابِ مالك ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِيمَا إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا رَجْعَةَ فِيهَا: أَحَدُهَا: أَنَّهَا ثَلَاثٌ، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ حَقَّهُ مِنَ الرَّجْعَةِ، وَهِيَ لَا تَنْقَطِعُ إِلَّا بِثَلَاثٍ، فَجَاءَتِ الثَّلَاثُ ضَرُورَةً.
الثَّانِي: أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، كَمَا قَالَ، هَذَا قَوْلُ ابن القاسم؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إِبَانَتَهَا بِطَلْقَةٍ بِعِوَضٍ، فَمَلَكَهَا بِدُونِهِ، وَالْخُلْعُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابن وهب، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
[فَصْلٌ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِيمَنْ قَالَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ]
فَصْلٌ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَقَعُ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ، وَكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَقَعُ بَلْ تُرَدُّ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَالْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، وَحُكِيَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ الرَّافِضَةِ.