أَصْحَابِهِ إِنَّمَا حَكَوْا ذَلِكَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ، هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِهِ وَتَحْرِيرُهُ.
[مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ]
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالطِّفْلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِلَى أَنْ يَبْلُغَا سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَا سَبْعًا وَهُمَا يَعْقِلَانِ عَقْلَ مِثْلِهِمَا، خُيِّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَكَانَ مَعَ مَنِ اخْتَارَ.
[مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ والليث والْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ]
وَقَالَ مالك وأبو حنيفة لَا تَخْيِيرَ بِحَالٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ أبو حنيفة: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ، وَبِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ، وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ، وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَكُونَانِ عِنْدَ الْأَبِ، وَمَنْ سِوَى الْأَبَوَيْنِ أَحَقُّ بِهِمَا حَتَّى يَسْتَغْنِيَا، وَلَا يُعْتَبَرُ الْبُلُوغُ. وَقَالَ مالك: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حَثَى يُثْغِرَ، هَذِهِ رِوَايَةُ ابن وهب، وَرَوَى ابن القاسم: حَتَّى يَبْلُغَ وَلَا يُخَيَّرُ بِحَالٍ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالِابْنِ حَتَّى يَبْلُغَ ثَمَانَ سِنِينَ، وَبِالْبِنْتِ حَتَّى تَبْلُغَ، ثُمَّ الْأَبُ أَحَقُّ بِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: الْأُمُّ أَوْلَى بِالْبِنْتِ حَتَّى يَكْعُبَ ثَدْيَاهَا، وَبِالْغُلَامِ حَتَّى يَيْفَعَ، فَيُخَيَّرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ أَبَوَيْهِمَا، الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ.
[مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ فِي الْغُلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ]
قَالَ الْمُخَيِّرُونَ فِي الْغُلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ: قَدْ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُلَامِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَثَبَتَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ الْبَتَّةَ، وَلَا أَنْكَرَهُ مُنْكِرٌ. قَالُوا: وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْعَدْلِ الْمُمْكِنِ، فَإِنَّ الْأُمَّ إِنَّمَا قُدِّمَتْ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِحَاجَةِ الْوَلَدِ إِلَى التَّرْبِيَةِ وَالْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ وَالْمُدَارَاةِ الَّتِي لَا تَتَهَيَّأُ لِغَيْرِ النِّسَاءِ، وَإِلَّا فَالْأُمُّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَكَيْفَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ؟ فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ حَدًّا يُعْرِبُ فِيهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَسْتَغْنِي عَنِ الْحَمْلِ وَالْوَضْعِ وَمَا تُعَانِيهِ النِّسَاءُ، تَسَاوَى الْأَبَوَانِ، وَزَالَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِتَقْدِيمِ الْأُمِّ، وَالْأَبَوَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ، فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِمُرَجِّحٍ، وَالْمُرَجِّحُ إِمَّا مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْقُرْعَةُ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الْوَلَدِ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ، وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِهَذَا وَهَذَا، وَقَدْ جَمَعَهُمَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَاعْتَبَرْنَاهُمَا جَمِيعًا، وَلَمْ نَدْفَعْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute