للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنَّهُ هُوَ، وَلَا كَأَنَّ أَهْلَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَمَنْ يُشْفِقُ عَلَيْهِ بِالَّذِينَ يَعْرِفُهُمْ، وَهَذَا سِرٌّ مِنَ اللَّهِ لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مَيِّتُ الْقَلْبِ، وَعَلَى حَسَبِ حَيَاةِ الْقَلْبِ، يَكُونُ إِدْرَاكُ هَذَا التَّنَكُّرِ وَالْوَحْشَةِ.

وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا التَّنَكُّرَ وَالْوَحْشَةَ كَانَا لِأَهْلِ النِّفَاقِ أَعْظَمَ، وَلَكِنْ لِمَوْتِ قُلُوبِهِمْ لَمْ يَكُونُوا يَشْعُرُونَ بِهِ، وَهَكَذَا الْقَلْبُ إِذَا اسْتَحْكَمَ مَرَضُهُ، وَاشْتَدَّ أَلَمُهُ بِالذُّنُوبِ وَالْإِجْرَامِ، لَمْ يَجِدْ هَذِهِ الْوَحْشَةَ وَالتَّنَكُّرَ، وَلَمْ يُحِسَّ بِهَا، وَهَذِهِ عَلَامَةُ الشَّقَاوَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عَافِيَةِ هَذَا الْمَرَضِ، وَأَعْيَا الْأَطِبَّاءَ شِفَاؤُهُ، وَالْخَوْفُ وَالْهَمُّ مَعَ الرِّيبَةِ، وَالْأَمْنُ وَالسُّرُورُ مَعَ الْبَرَاءَةِ مِنَ الذَّنْبِ.

فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْجَعُ مِنْ بَرِيءٍ ... وَلَا فِي الْأَرْضِ أَخْوَفُ مِنْ مُرِيبِ

وَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤْمِنُ الْبَصِيرُ إِذَا ابْتُلِيَ بِهِ ثُمَّ رَاجَعَ، فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ نَفْعًا عَظِيمًا مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ تَفُوتُ الْحَصْرَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا إِلَّا اسْتِثْمَارُهُ مِنْ ذَلِكَ أَعْلَامَ النُّبُوَّةِ، وَذَوْقُهُ نَفْسَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ فَيَصِيرُ تَصْدِيقُهُ ضَرُورِيًّا عِنْدَهُ، وَيَصِيرُ مَا نَالَهُ مِنَ الشَّرِّ بِمَعَاصِيهِ، وَمِنَ الْخَيْرِ بِطَاعَاتِهِ مِنْ أَدِلَّةِ صِدْقِ النُّبُوَّةِ الذَّوْقِيَّةِ الَّتِي لَا تَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالَاتُ، وَهَذَا كَمَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ مِنَ الْمَعَاطِبِ وَالْمَخَاوِفِ كَيْتَ وَكَيْتَ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَخَالَفْتَهُ وَسَلَكْتَهَا، فَرَأَيْتَ عَيْنَ مَا أَخْبَرَكَ بِهِ، فَإِنَّكَ تَشْهَدُ صِدْقَهُ فِي نَفْسِ خِلَافِكَ لَهُ، وَأَمَّا إِذَا سَلَكْتَ طَرِيقَ الْأَمْنِ وَحْدَهَا، وَلَمْ تَجِدْ مِنْ تِلْكَ الْمَخَاوِفِ شَيْئًا، فَإِنَّهُ وَإِنْ شَهِدَ صِدْقَ الْمُخْبِرِ بِمَا نَالَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالظَّفَرِ مُفَصَّلًا، فَإِنَّ عِلْمَهُ بِتِلْكَ يَكُونُ مُجْمَلًا.

[تخلف أصحاب كعب عن صلاة الجماعة]

فَصْلٌ

وَمِنْهَا: أَنَّ هلال بن أمية، ومرارة قَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَكَانَا يُصَلِّيَانِ فِي بُيُوتِهِمَا، وَلَا يَحْضُرَانِ الْجَمَاعَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِينَ لِلرَّجُلِ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ التَّخَلُّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ يُقَالُ: مِنْ تَمَامِ هِجْرَانِهِ أَنْ لَا يَحْضُرَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ يُقَالُ: فكعب كَانَ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَتَبَ عَلَيْهِمَا عَلَى التَّخَلُّفِ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ: لَمَّا أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِهَجْرِهِمْ تَرَكُوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>