وَإِنْ نَبَتَ الزَّرْعُ، ثُمَّ حَصَلَتْ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ أَتْلَفَتْهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ حَصَادِهِ فَفِيهِ نِزَاعٌ، فَطَائِفَةٌ أَلْحَقَتْهُ بِالثَّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَطَائِفَةٌ فَرَّقَتْ، وَالَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ قَالُوا: الثَّمَرَةُ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَةُ، وَهُنَا الزَّرْعُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، بَلِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَقَدِ اسْتَوْفَاهَا، وَالَّذِينَ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا قَالُوا: الْمَقْصُودُ بِالْإِجَارَةِ هُوَ الزَّرْعُ، فَإِذَا حَالَتِ الْآفَةُ السَّمَاوِيَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ بِالْإِجَارَةِ، كَأَنْ قَدْ تَلِفَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَاوِضْ عَلَى زَرْعٍ، فَقَدْ عَاوَضَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ حُصُولِ الزَّرْعِ، فَإِذَا حَصَلَتِ الْآفَةُ السَّمَاوِيَّةُ الْمُفْسِدَةُ لِلزَّرْعِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ حَصَادِهِ لَمْ تَسْلَمِ الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، بَلْ تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ فِي آخِرِهَا إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنِ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآفَةَ السَّمَاوِيَّةَ إِذَا كَانَتْ بَعْدَ الزَّرْعِ مُطْلَقًا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ مَعَ تِلْكَ الْآفَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِهَا وَتَأَخُّرِهَا.
[فصل بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى الظُّهْرِ]
فَصْلٌ.
وَأَمَّا بَيْعُ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ، فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَمْ تَسُغْ مُخَالَفَتُهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أحمد، فَمَرَّةً مَنَعَهُ، وَمَرَّةً أَجَازَهُ بِشَرْطِ جَزِّهِ فِي الْحَالِ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهُ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، فَجَازَ بَيْعُهُ كَالرُّطَبَةِ، وَمَا يُقَدَّرُ مِنِ اخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ الْمَوْجُودِ بِالْحَادِثِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ يَزُولُ بِجَزِّهِ فِي الْحَالِّ، وَالْحَادِثُ يَسِيرٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ، هَذَا وَلَوْ قِيلَ: بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ جَزِّهِ فِي الْحَالِّ، وَيَكُونُ كَالرُّطَبَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ تَطُولُ فِي زَمَنِ أَخْذِهَا كَانَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ، وَغَايَتُهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ لَمْ يُخْلَقْ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ، فَهُوَ كَأَجْزَاءِ الثِّمَارِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ، فَإِنَّهَا تَتْبَعُ الْمَوْجُودَ مِنْهَا، فَإِذَا جَعَلَا لِلصُّوفِ وَقْتًا مُعَيَّنًا يُؤْخَذُ فِيهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الثَّمَرَةِ وَقْتَ كَمَالِهَا.
وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الَّذِينَ مَنَعُوهُ قَاسُوهُ عَلَى أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ، وَقَالُوا: مُتَّصِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute