إِنْ قَالَتْ: أَخَذَتْ أَمْرِي، دَخَلَ عَلَيْهِمَا أحمد فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَقَالَتْ: قَبِلْتُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ، وَقَالَ: إِذَا قَالَتْ أَخَذْتُ أَمْرِي، لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ: وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي، فَقَالَتْ قَبِلْتُ نَفْسِي، أَوِ اخْتَرْتُ نَفْسِي، كَانَ أَبْيَنَ. انْتَهَى. وَفَرَّقَ مالك بَيْنَ " اخْتَارِي، " وَبَيْنَ " أَمْرُكِ بِيَدِكِ، " فَجَعَلَ " أَمْرُكِ بِيَدِكِ " تَمْلِيكًا، وَ " اخْتَارِي " تَخْيِيرًا لَا تَمْلِيكًا. قَالَ أَصْحَابُهُ: وَهُوَ تَوْكِيلٌ.
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَهُوَ الْقَدِيمُ، وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: تَمْلِيكٌ.
وَقَالَ الحسن، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: هُوَ تَطْلِيقٌ تَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ مُنَجَّزَةٌ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا، وَهِيَ رِوَايَةُ ابن منصور عَنْ أحمد.
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، سَوَاءٌ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَوِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، وَلَا أَثَرَ لِلتَّخْيِيرِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ. وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَآخِذَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى وَجْهِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا.
[حُجَجُ مَنْ قَالَ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَمْلِيكٌ]
قَالَ أَصْحَابُ التَّمْلِيكِ: لَمَّا كَانَ الْبُضْعُ يَعُودُ إِلَيْهَا بَعْدَ مَا كَانَ لِلزَّوْجِ، كَانَ هَذَا حَقِيقَةَ التَّمْلِيكِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالتَّوْكِيلُ يَسْتَلْزِمُ أَهْلِيَّةَ الْوَكِيلِ لِمُبَاشَرَةِ مَا وُكِّلَ فِيهِ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ امْرَأَةً فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاشِرُ الطَّلَاقَ، وَالَّذِينَ صَحَّحُوهُ قَالُوا: كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ امْرَأَةً فِي طَلَاقِهَا.
[حُجَجُ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ]
قَالُوا: وَأَيْضًا فَالتَّوْكِيلُ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لِمُوَكِّلِهِ لَا لِنَفْسِهِ، وَالْمَرْأَةُ هَاهُنَا إِنَّمَا تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا وَلِحَظِّهَا، وَهَذَا يُنَافِي تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ. قَالَ أَصْحَابُ التَّوْكِيلِ: وَاللَّفْظُ لِصَاحِبِ " الْمُغْنِي ": وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنِ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا يَنُوبُ فِيهِ غَيْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute