للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ، فَهُوَ عَاصٍ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ فِي وِلَايَتِهِ، فَلَا وِلَايَةَ لَهُ، بَلْ إِمَّا أَنْ تُرْفَعَ يَدُهُ عَنِ الْوِلَايَةِ وَيُقَامَ مَنْ يَفْعَلُ الْوَاجِبَ، وَإِمَّا أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ بِالْوَاجِبِ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ هَذَا الْحَقُّ مِنْ جِنْسِ الْمِيرَاثِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالرَّحِمِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ فَاسِقًا أَوْ صَالِحًا، بَلْ هَذَا مِنْ جِنْسِ الْوِلَايَةِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْعِلْمِ بِهِ، وَفِعْلِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. قَالَ: فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْأَبَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تُرَاعِي مَصْلَحَةَ ابْنَتِهِ، وَلَا تَقُومُ بِهَا وَأُمُّهَا أَقْوَمُ بِمَصْلَحَتِهَا مِنْ تِلْكَ الضَّرَّةِ، فَالْحَضَانَةُ هُنَا لِلْأُمِّ قَطْعًا، قَالَ: وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ عَنْهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا، وَلَا تَخْيِيرِ الْوَلَدِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا، وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا مُطْلَقًا، بَلْ لَا يُقَدَّمُ ذُو الْعُدْوَانِ وَالتَّفْرِيطِ عَلَى الْبَرِّ الْعَادِلِ الْمُحْسِنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِبُطْلَانِ التَّخْيِيرِ]

قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ، أَحَدُهُمَا: بَيَانُ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى بُطْلَانِ التَّخْيِيرِ، وَالثَّانِي: بَيَانُ عَدَمِ الدَّلَالَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدْلَلْتُمْ بِهَا عَلَى التَّخْيِيرِ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ» ) ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُ. وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي: فَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ أَحَادِيثِ التَّخْيِيرِ مُطْلَقَةٌ لَا تَقْيِيدَ فِيهَا، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَا عَلَى إِطْلَاقِهَا، بَلْ قَيَّدْتُمُ التَّخْيِيرَ بِالسَّبْعِ فَمَا فَوْقَهَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إِذَا صَارَ لِلْغُلَامِ اخْتِيَارٌ مُعْتَبَرٌ خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ اخْتِيَارُهُ إِذَا اعْتُبِرَ قَوْلُهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَ تَقْيِيدُكُمْ وَقْتَ التَّخْيِيرِ بِالسَّبْعِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِنَا بِالْبُلُوغِ، بَلِ التَّرْجِيحُ مِنْ جَانِبِنَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهَا: " وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ "، وَهِيَ عَلَى أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَغَيْرُ الْبَالِغِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ عَادَةً أَنْ يَحْمِلَ الْمَاءَ مِنْ هَذِهِ الْمَسَافَةِ وَيَسْتَقِيَ مِنَ الْبِئْرِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْبُلُوغِ، فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِيهِ، وَالْوَاقِعَةُ وَاقِعَةُ عَيْنٍ، وَلَيْسَ عَنِ الشَّارِعِ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَخْيِيرِ مَنْ هُوَ دُونَ الْبُلُوغِ حَتَّى يَجِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>