وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَصْلَحَةَ هَذَا التَّأْلِيفِ، وَجَمْعِ الْقُلُوبِ عَلَيْهِ، كَانَتْ أَعْظَمَ عِنْدَهُ وَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْحَاصِلَةِ بِقَتْلِ مَنْ سَبَّهُ وَآذَاهُ، وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةُ الْقَتْلِ، وَتَرَجَّحَتْ جِدًّا قَتَلَ السَّابَّ كَمَا فَعَلَ بكعب بن الأشرف، فَإِنَّهُ جَاهَرَ بِالْعَدَاوَةِ وَالسَّبِّ، فَكَانَ قَتْلُهُ أَرْجَحَ مِنْ إِبْقَائِهِ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ ابن خطل، ومقيس وَالْجَارِيَتَيْنِ وَأُمِّ وَلَدِ الْأَعْمَى، فَقَتَلَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَكَفَّ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، فَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَى نُوَّابِهِ وَخُلَفَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُسْقِطُوا حَقَّهُ.
[فَصْلٌ فِيمَا فِي خُطْبَتِهِ الْعَظِيمَةِ ثَانِيَ يَوْمِ الْفَتْحِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ]
[تَحْرِيمُ اللَّهِ لِمَكَّةَ]
فَصْلٌ
فِيمَا فِي خُطْبَتِهِ الْعَظِيمَةِ ثَانِيَ يَوْمِ الْفَتْحِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ
فَمِنْهَا قَوْلُهُ ( «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ» ) فَهَذَا تَحْرِيمٌ شَرْعِيٌّ قَدَرِيٌّ سَبَقَ بِهِ قَدَرُهُ يَوْمَ خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ، ثُمَّ ظَهَرَ بِهِ عَلَى لِسَانِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا، كَمَا فِي " الصَّحِيحِ " عَنْهُ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَكَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ» ) فَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ ظُهُورِ التَّحْرِيمِ السَّابِقِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ، وَلِهَذَا لَمْ يُنَازِعْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ، وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ تَحْرِيمُهَا، إِذْ قَدْ صَحَّ فِيهِ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مَطْعَنَ فِيهَا بِوَجْهٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute