عِدَّةً. قُلْتُ: كَمَا فِي حَدِيثِ أبي سعيد فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] بِالسَّبَايَا، ثُمَّ قَالَ: أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ فَجَعَلَ الِاسْتِبْرَاءَ عِدَّةً. قَالَ فَأَمَّا حَدِيثُ ( «عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أُمِرَتْ بريرة أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ» ) فَحَدِيثٌ مُنْكَرٌ؛ فَإِنَّ مَذْهَبَ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ. قُلْتُ: وَمَنْ جَعَلَ أَنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى تَكُونُ عِدَّةُ الْفُسُوخِ كُلِّهَا عِنْدَهُ حَيْضَةً؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ الَّذِي هُوَ شَقِيقُ الطَّلَاقِ وَأَشْبَهُ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ الِاعْتِدَادُ عِنْدَهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، فَالْفَسْخُ أَوْلَى وَأَحْرَى مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ يَجْعَلُ الْخُلْعَ طَلَاقًا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُهُ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِرَضَاعٍ وَنَحْوِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ إِنَّ الزَّوْجَ إِذَا رَدَّ الْعِوَضَ وَرَضِيَتِ الْمَرْأَةُ بِرَدِّهِ وَرَاجَعَهَا فَلَهُمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْفَسْخِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْخُلْعَ يُمْكِنُ فِيهِ رُجُوعُ الْمَرْأَةِ إِلَى زَوْجِهَا فِي عِدَّتِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِرَضَاعٍ أَوْ عَدَدٍ، أَوْ مَحْرَمِيَّةٍ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهَا إِلَيْهِ، فَهَذِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى يَكْفِيهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةٍ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا كَالْمَسْبِيَّةِ وَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ وَالزَّانِيَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا دَلِيلًا وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.
[فصل الْفَرْقُ بَيْنَ عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ]
فَصْلٌ
وَمِمَّا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ أَنَّ عِدَّةَ الرَّجْعِيَّةِ لِأَجْلِ الزَّوْجِ، وَلِلْمَرْأَةِ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّ سُكْنَاهَا هَلْ هِيَ كَسُكْنَى الزَّوْجَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُلَهَا الْمُطَلِّقُ حَيْثُ شَاءَ أَمْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا الْمَنْزِلُ فَلَا تَخْرُجُ، وَلَا تُخْرَجُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ.
وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أحمد، وأبي حنيفة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute