أَسْبَابٍ لِلْحَضَانَةِ، مَرْتَبَةُ الْأُمُومَةِ، ثُمَّ بَعْدَهَا الْأُبُوَّةُ، ثُمَّ بَعْدَهَا الْمِيرَاثُ، ثُمَّ الْإِدْلَاءُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ " الْمُسْتَوْعَبِ "، وَمَا زَادَتْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ إِلَّا تَنَاقُضًا وَبُعْدًا عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ مِنْ أَفْسَدِ الطُّرُقِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُهَا بِلَوَازِمِهَا الْبَاطِلَةِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِتَقْدِيمِ الْأُمُومَةِ عَلَى الْأُبُوَّةِ تَقْدِيمَ مَنْ فِي جِهَتِهَا عَلَى الْأَبِ وَمَنْ فِي جِهَتِهِ - كَانَتْ تِلْكَ اللَّوَازِمُ الْبَاطِلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ تَقْدِيمِ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَبِنْتِ الْخَالَةِ عَلَى الْأَبِ وَأُمِّهِ، وَتَقْدِيمِ الْخَالَةِ عَلَى الْعَمَّةِ، وَتَقْدِيمِ خَالَةِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَأُمِّهِ، وَتَقْدِيمِ بَنَاتِ الْأُخْتِ مِنَ الْأُمِّ عَلَى أُمِّ الْأَبِ، وَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِنُصُوصِ إِمَامِهِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْأُمَّ نَفْسَهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ، فَهَذَا حَقٌّ لَكِنَّ الشَّانَ فِي مَنَاطِ هَذَا التَّقْدِيمِ: هَلْ هُوَ لِكَوْنِ الْأُمِّ وَمَنْ فِي جِهَتِهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ وَمَنْ فِي جِهَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهَا أُنْثَى فِي دَرَجَةِ ذَكَرٍ، وَكُلُّ أُنْثَى كَانَتْ فِي دَرَجَةِ ذَكَرٍ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ مَعَ تَقْدِيمِ قَرَابَةِ الْأَبِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ؟ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " ثُمَّ الْمِيرَاثُ " إِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ فِي الْمِيرَاثِ مُقَدَّمٌ فِي الْحَضَانَةِ فَصَحِيحٌ، وَطَرْدُهُ تَقْدِيمُ قَرَابَةِ الْأَبِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهَا فِي الْمِيرَاثِ، فَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ. وَقَوْلُهُ: " وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَالْخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى إِرْثًا مِنْهُمَا، فَيُقَالُ: لَمْ يَكُنْ تَقْدِيمُهَا لِأَجْلِ الْإِرْثِ وَقُوَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَكَانَ الْعَصَبَاتُ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ مِنَ النِّسَاءِ، فَيَكُونُ الْعَمُّ أَوْلَى مِنَ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ.
[ضَابِطُ الْحَضَانَةِ عِنْدَ ابْنِ قُدَامَةَ]
فَصْلٌ وَقَدْ ضَبَطَ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي " هَذَا الْبَابَ بِضَابِطٍ آخَرَ، فَقَالَ: فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَأَوْلَى الْكُلِّ بِهَا: الْأُمُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا وَإِنْ عَلَوْنَ يُقَدَّمُ مِنْهُنَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُنَّ نِسَاءٌ وِلَادَتُهُنَّ مُتَحَقِّقَةٌ، فَهُنَّ فِي مَعْنَى الْأُمِّ، وَعَنْ أحمد أَنَّ أُمَّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتِهَا يُقَدَّمْنَ عَلَى أُمِّ الْأُمِّ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْأَبُ أَوْلَى بِالتّقْدِيمِ؛ لِأَنَّهُنَّ يُدْلِينَ بِهِ، فَيَكُونُ الْأَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute