للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ أحمد، وَهُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ، وَلِأَصْحَابِهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: إِنْ حَاضَتْ لِلْعَادَةِ، انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ. وَإِنْ حَاضَتْ لِغَيْرِ الْعَادَةِ، بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا تَرَى الدَّمَ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ، فَرَأَتْهُ فِي أَوَّلِهِ، لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ يَكُونُ هَذَا الدَّمُ مَحْسُوبًا مِنَ الْعِدَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي رَجْعَتِهَا فِي وَقْتِهِ، فَهَذَا تَقْرِيرُ مَذَاهِبِ النَّاسِ فِي الْأَقْرَاءِ.

[حُجَّةُ مَنْ فَسَّرَ الْأَقْرَاءَ بِالْحِيَضِ]

[الدليل الأول لمن حمل القرء على الحيض]

[الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الدَّالُّ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ حَمْلِ الْقُرْءِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحَيْضِ]

قَالَ مَنْ نَصَّ: أَنَّهَا الْحِيَضُ: الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوهٌ.

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] [الْبَقَرَةِ: ٢٢٨] إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَطْهَارُ فَقَطْ، أَوِ الْحِيَضُ فَقَطْ، أَوْ مَجْمُوعُهُمَا.

وَالثَّالِثُ: مُحَالٌ إِجْمَاعًا، حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَحْمِلُ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى مَعْنَيَيْهِ. وَإِذَا تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَالْحِيَضُ أَوْلَى بِهِ لِوُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَوْ كَانَتِ الْأَطْهَارَ فَالْمُعْتَدَّةُ بِهَا يَكْفِيهَا قُرْآنِ، وَلَحْظَةٌ مِنَ الثَّالِثِ، وَإِطْلَاقُ الثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ بَعِيدٌ لِنَصِّيَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ.

فَإِنْ قُلْتُمْ: بَعْضُ الطُّهْرِ الْمُطْلَقِ فِيهِ عِنْدَنَا قَرْءٌ كَامِلٌ، قِيلَ: جَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَمْ تُجْمِعِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْقُرْءِ قُرْءٌ قَطُّ، فَدَعْوَى هَذَا يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا دَعْوَى مَذْهَبِيَّةٌ، أَوْجَبَ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَيْهَا إِلْزَامُ كَوْنِ الْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارَ، وَالدَّعَاوَى الْمَذْهَبِيَّةُ لَا يُفَسَّرُ بِهَا الْقُرْآنُ، وَتُحْمَلُ عَلَيْهَا اللُّغَةُ، وَلَا يُعْقَلُ فِي اللُّغَةِ قَطُّ أَنَّ اللَّحْظَةَ مِنَ الطُّهْرِ تُسَمَّى قُرْءًا كَامِلًا، وَلَا اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ، فَدَعْوَاهُ لَا تَثْبُتُ نَقْلًا وَلَا إِجْمَاعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الْحَمْلِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَمْلَ شَيْءٌ، وَالْوَضْعَ شَيْءٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ ثُبُوتُ الْوَضْعِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>