كَانَ حَلَالًا لَهُ بِيَقِينٍ، وَإِحْلَالَهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ خَطَأً، فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ جِهَتَيْنِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّا أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْكُمْ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أبي طالب فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ نَظِيرُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ سَوَاءٌ، فَقَالَ: الَّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ إِنَّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً، وَالَّذِي يَأْمُرُ بِالطَّلَاقِ أَتَى خَصْلَتَيْنِ؛ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ، وَأَحَلَّهَا لِغَيْرِهِ، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ النِّكَاحَ يُدْخَلُ فِيهِ بِالْعَزِيمَةِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَيُخْرَجُ مِنْهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ، قُلْنَا: وَلَكِنْ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إِلَّا بِمَا نَصَبَهُ اللَّهُ سَبَبًا يُخْرَجُ بِهِ مِنْهُ، وَأَذِنَ فِيهِ: وَأَمَّا مَا يَنْصِبُهُ الْمُؤْمِنُ عِنْدَهُ، وَيَجْعَلُهُ هُوَ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ مِنْهُ، فَكَلَّا. فَهَذَا مُنْتَهَى أَقْدَامِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّيِّقَةِ الْمُعْتَرَكِ، الْوَعِرَةِ الْمَسْلَكِ الَّتِي يَتَجَاذَبُ أَعِنَّةَ أَدِلَّتِهَا الْفُرْسَانُ، وَتَتَضَاءَلُ لَدَى صَوْلَتِهَا شَجَاعَةُ الشُّجْعَانِ، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى مَأْخَذِهَا وَأَدِلَّتِهَا لِيَعْلَمَ الْغِرُّ الَّذِي بِضَاعَتُهُ مِنَ الْعِلْمِ مُزْجَاةٌ، أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ وَرَاءَ مَا عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ مِمَّنْ قَصُرَ فِي الْعِلْمِ بَاعُهُ، فَضَعُفَ خَلْفَ الدَّلِيلِ، وَتَقَاصَرَ عَنْ جَنْيِ ثِمَارِهِ ذِرَاعُهُ، فَلْيَعْذُرْ مَنْ شَمَّرَ عَنْ سَاقِ عَزْمِهِ، وَحَامَ حَوْلَ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْكِيمِهَا، وَالتَّحَاكُمِ إِلَيْهَا بِكُلِّ هِمَّةٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَاذِرٍ لِمُنَازِعِهِ فِي قُصُورِهِ وَرَغْبَتِهِ عَنْ هَذَا الشَّأْنِ الْبَعِيدِ، فَلْيَعْذُرْ مُنَازِعَهُ فِي رَغْبَتِهِ عَمَّا ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَحْضِ التَّقْلِيدِ، وَلْيَنْظُرْ مَعَ نَفْسِهِ أَيُّهُمَا هُوَ الْمَعْذُورُ، وَأَيُّ السَّعْيَيْنِ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ السَّعْيَ الْمَشْكُورَ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، الْفَاتِحُ لِمَنْ أَمَّ بَابَهُ طَالِبًا لِمَرْضَاتِهِ مِنَ الْخَيْرِ كُلَّ بَابٍ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ]
قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ مُغْضَبًا، ثُمَّ قَالَ: " أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ !» ) ، " وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مسلم، فَإِنَّ ابن وهب قَدْ رَوَاهُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute