بكر بِأَمْرِهِ فِي أَدِيمٍ، وَكَانَ الْكِتَابُ مَعَهُ إِلَى يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ، فَجَاءَهُ بِالْكِتَابِ فَوَفَّاهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الزَّادَ وَالْحِمْلَانِ، فَقَالَا: لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ وَلَكِنْ عَمِّ عَنَّا الطَّلَبَ، فَقَالَ: قَدْ كُفِيتُمْ، وَرَجَعَ فَوَجَدَ النَّاسَ فِي الطَّلَبِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: قَدِ اسْتَبْرَأْتُ لَكُمُ الْخَبَرَ، وَقَدْ كُفِيتُمْ مَا هَاهُنَا، وَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَيْهِمَا، وَآخِرَهُ حَارِسًا لَهُمَا.
[فَصْلٌ في مروره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّةِ]
فَصْلٌ
ثُمَّ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ، حَتَّى مَرَّ بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّةِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً بَرْزَةً جَلْدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ، ثُمَّ تُطْعِمُ وَتَسْقِي مَنْ مَرَّ بِهَا، فَسَأَلَاهَا: هَلْ عِنْدَهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمُ الْقِرَى، وَالشَّاءُ عَازِبٌ، وَكَانَتْ سَنَةً شَهْبَاءَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: (مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أم معبد؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ وَدَعَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ وَدَرَّتْ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ لَهَا يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ الرَّغْوَةُ، فَسَقَاهَا فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ شَرِبَ وَحَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، فَارْتَحَلُوا فَقَلَّمَا لَبِثَتْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا أبو معبد يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزَالًا لَا نِقْيَ بِهِنَّ، فَلَمَّا رَأَى اللَّبَنَ عَجِبَ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا وَالشَّاةُ عَازِبٌ؟ وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ؟ فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَمِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا) قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُهُ، صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، قَالَتْ: ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute