للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْ لبيد بن الأعصم اليهودي حِينَ سَحَرَهُ، وَمَنْ قَالَ بِقَتْلِ سَاحِرِهِمْ يُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَبِأَنَّهُ خَشِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا بِتَرْكِ إِخْرَاجِ السِّحْرِ مِنَ الْبِئْرِ، فَكَيْفَ لَوْ قَتَلَهُ.

[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ غَنِيمَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوَّلِ قَتِيلٍ]

«لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن جحش وَمَنْ مَعَهُ سَرِيَّةً إِلَى نَخْلَةَ تَرَصَّدَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَأَعْطَاهُ كِتَابًا مَخْتُومًا، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَأَهُ إِلَّا بَعْدَ يَوْمَيْنِ، فَقَتَلُوا عمرو بن الحضرمي، وَأَسَرُوا عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَعَنَّفَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنِيمَةَ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٧] [الْبَقَرَةِ: ٢١٧] ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَائِهِمَا، فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ -، فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ، فَلَمَّا قَدِمَا، فَادَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثمان والحكم، وَقَسَمَ الْغَنِيمَةَ» .

وَذَكَرَ ابن وهب: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الْغَنِيمَةَ، وَوَدَى الْقَتِيلَ.

وَالْمَعْرُوفُ فِي السِّيَرِ خِلَافُ هَذَا.

وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الْفِقْهِ إِجَازَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمَخْتُومَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مالك، وَكَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>