كَانَ الْحَبُّ دَيْنًا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، يُؤْخَذُ مِنَ التَّرِكَةِ مَعَ سِعَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْكَامِلَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ تَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الْإِبَاءِ، وَتَدْفَعُهُ كُلَّ الدَّفْعِ كَمَا يَدْفَعُهُ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ تَسْقُطُ بِالَّذِي لَهُ عَلَيْهَا مِنَ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ إِيَّاهَا، وَلَا اقْتَرَضَهُ مِنْهَا حَتَّى يَثْبُتَ فِي ذِمَّتِهَا، بَلْ هِيَ مَعَهُ فِيهِ عَلَى حُكْمِ الضَّيْفِ لِامْتِنَاعِ الْمُعَاوَضَةِ عَنِ الْحَبِّ بِذَلِكَ شَرْعًا. وَلَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُهُ فِي ذِمَّتِهَا لَمَا أَمْكَنَتِ الْمُقَاصَّةُ لِاخْتِلَافِ الدَّيْنَيْنِ جِنْسًا، وَالْمُقَاصَّةُ تَعْتَمِدُ اتِّفَاقَهُمَا. هَذَا وَإِنْ قِيلَ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى النَّفَقَةِ مُطْلَقًا لَا بِدَرَاهِمَ وَلَا بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَمَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ وَلَمْ يَجِبْ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَسْتَقِرَّ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَيُعَاوِضُ عَنْهَا كَمَا يُعَاوِضُ عَمَّا هُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ مِنَ الدُّيُونِ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ مَخْلَصًا قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا إِذَا أَكَلَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا. قَالَ الرافعي فِي " مُحَرَّرِهِ ": أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ السُّقُوطُ، وَصَحَّحَهُ النووي لِجَرَيَانِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ، وَاكْتِفَاءِ الزَّوْجَةِ بِهِ. وَقَالَ الرافعي فِي " الشَّرْحِ الْكَبِيرِ "، وَ " الْأَوْسَطِ ": فِيهِ وَجْهَانِ. أَقْيَسُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوفِ الْوَاجِبَ وَتَطَوَّعَ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّشِيدَةِ الَّتِي أَذِنَ لَهَا قَيِّمُهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا لَمْ تَسْقُطْ وَجْهًا وَاحِدًا.
[فصل مَا اسْتُنْبِطَ مِنْ حَدِيثِ شَكْوَى هِنْدٍ]
فَصْلٌ وَفِي حَدِيثِ هند: دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الرَّجُلِ فِي غَرِيمِهِ مَا فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ عِنْدَ شَكْوَاهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغِيبَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ فِي خَصْمِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَفَرُّدِ الْأَبِ بِنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ وَلَا تُشَارِكُهُ فِيهَا الْأُمُّ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا قَوْلٌ شَاذٌّ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ أَنَّ عَلَى الْأُمِّ مِنَ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهَا، وَزَعَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute