للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ، لَمْ تَطْلُقْ بِغَيْرِ خِلَافٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ؟ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: إِنْ مَلَكْتُ فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ، صَحَّ التَّعْلِيقُ، وَعَتَقَ بِالْمِلْكِ؟ .

قِيلَ: فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ قَوْلَانِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد، كَمَا عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِ، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ - صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ لَهُ قُوَّةٌ وَسِرَايَةٌ، وَلَا يَعْتَمِدُ نُفُوذَ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ سَبَبًا لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ عَقْلًا وَشَرْعًا، كَمَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْعِتْقِ عَنْ ذِي رَحِمِهِ الْمُحَرَّمِ بِشِرَائِهِ، وَكَمَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدًا لِيُعْتِقَهُ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ، أَوِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَكُلُّ هَذَا يُشْرَعُ فِيهِ جَعْلُ الْمِلْكِ سَبَبًا لِلْعِتْقِ، فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَشَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ التَّوَسُّلَ إِلَيْهِ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُفْضِيَةٍ إِلَى مَحْبُوبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ، فَإِنَّهُ بَغِيضٌ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ مِلْكَ الْبُضْعِ بِالنِّكَاحِ سَبَبًا لِإِزَالَتِهِ الْبَتَّةَ، وَفَرْقٌ ثَانٍ أَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ مِنْ بَابِ نَذْرِ الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ وَالتَّبَرُّرِ، كَقَوْلِهِ: لَئِنْ آتَانِي اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِكَذَا وَكَذَا، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، لَزِمَهُ مَا عَلَّقَهُ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ الْمَقْصُودَةِ، فَهَذَا لَوْنٌ، وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى الْمِلْكِ لَوْنٌ آخَرُ.

[حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَوْطُوءَةِ فِي طُهْرِهَا وَتَحْرِيمِ إِيقَاعِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً]

فِي " الصَّحِيحَيْنِ " «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ يُطَلِّقُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>