للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صِفَاتٍ وَأُمُورٍ قَائِمَةٍ بِهَا لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا، وَلِأَجْلِهَا اصْطَفَاهَا اللَّهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي فَضَّلَهَا بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَخَصَّهَا بِالِاخْتِيَارِ، فَهَذَا خَلْقُهُ، وَهَذَا اخْتِيَارُهُ {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: ٦٨] [الْقَصَصِ: ٦٧] ، وَمَا أَبْيَنَ بُطْلَانِ رَأْيٍ يَقْضِي بِأَنَّ مَكَانَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مُسَاوٍ لِسَائِرِ الْأَمْكِنَةِ، وَذَاتَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُسَاوِيَةٌ لِسَائِرِ حِجَارَةِ الْأَرْضِ، وَذَاتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَاوِيَةٌ لِذَاتِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا التَّفْضِيلُ فِي ذَلِكَ بِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِهَا، وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ وَأَمْثَالُهَا مِنَ الْجِنَايَاتِ الَّتِي جَنَاهَا الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَنَسَبُوهَا إِلَيْهَا وَهِيَ بَرِيئَةٌ مِنْهَا، وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَكْثَرُ مِنَ اشْتِرَاكِ الذَّوَاتِ فِي أَمْرٍ عَامٍّ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَسَاوِيهَا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلِفَاتِ قَدْ تَشْتَرِكُ فِي أَمْرٍ عَامٍّ مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي صِفَاتِهَا النَّفْسِيَّةِ، وَمَا سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ ذَاتِ الْمِسْكِ وَذَاتِ الْبَوْلِ أَبَدًا، وَلَا بَيْنَ ذَاتِ الْمَاءِ وَذَاتِ النَّارِ أَبَدًا، وَالتَّفَاوُتُ الْبَيِّنُ بَيْنَ الْأَمْكِنَةِ الشَّرِيفَةِ وَأَضْدَادِهَا وَالذَّوَاتِ الْفَاضِلَةِ وَأَضْدَادِهَا أَعْظَمُ مِنْ هَذَا التَّفَاوُتِ بِكَثِيرٍ، فَبَيْنَ ذَاتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَاتِ فرعون مِنَ التَّفَاوُتِ أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الْمِسْكِ وَالرَّجِيعِ، وَكَذَلِكَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ نَفْسِ الْكَعْبَةِ وَبَيْنَ بَيْتِ السُّلْطَانِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا التَّفَاوُتِ أَيْضًا بِكَثِيرٍ، فَكَيْفَ تُجْعَلُ الْبُقْعَتَانِ سَوَاءً فِي الْحَقِيقَةِ وَالتَّفْضِيلُ بِاعْتِبَارِ مَا يَقَعُ هُنَاكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ؟! .

وَلَمْ نَقْصِدِ اسْتِيفَاءَ الرَّدِّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ الْمَرْدُودِ الْمَرْذُولِ، وَإِنَّمَا قَصَدْنَا تَصْوِيرَهُ، وَإِلَى اللَّبِيبِ الْعَادِلِ الْعَاقِلِ التَّحَاكُمُ وَلَا يَعْبَأُ اللَّهُ وَعِبَادُهُ بِغَيْرِهِ شَيْئًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخَصِّصُ شَيْئًا، وَلَا يُفَضِّلُهُ وَيُرَجِّحُهُ إِلَّا لِمَعْنًى يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ وَتَفْضِيلَهُ، نَعَمْ هُوَ مُعْطِي ذَلِكَ الْمُرَجِّحَ وَوَاهِبُهُ، فَهُوَ الَّذِي خَلَقَهُ، ثُمَّ اخْتَارَهُ بَعْدَ خَلْقِهِ، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: ٦٨] .

[تَفْضِيلُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ]

وَمِنْ هَذَا تَفْضِيلُهُ بَعْضَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ عَلَى بَعْضٍ، فَخَيْرُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، كَمَا فِي " السُّنَنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( «أَفْضَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>