عَلَى عِرْضِهَا، فَكَانَ مُوجَبُهَا الْحَدُّ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَمَّا كَانَ فِيهَا شَائِبَةُ الدَّعْوَى عَلَيْهَا بِإِتْلَافِهَا لِحَقِّهِ وَخِيَانَتِهَا فِيهِ، مَلَكَ إِسْقَاطَ مَا يُوجِبُهُ الْقَذْفُ مِنَ الْحَدَّ بِلِعَانِهِ، فَإِذَا لَمْ يُلَاعِنْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اللِّعَانِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ عَمِلَ مُقْتَضَى الْقَذْفِ عَمَلَهُ وَاسْتَقَلَّ بِإِيجَابِ الْحَدِّ إِذْ لَا مُعَارِضَ لَهُ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[فصل وَمِنَ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ أَحَادِيثِ اللِّعَانِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَقْضِي بِالْوَحْيِ]
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَقْضِي بِالْوَحْيِ وَبِمَا أَرَاهُ اللَّهُ، لَا بِمَا رَآهُ هُوَ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ حَتَّى جَاءَهُ الْوَحْيُ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، فَقَالَ لِعُوَيْمِرٍ حِينَئِذٍ: ( «قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَحَابَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» ) وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا يَسْأَلُنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ سُنَّةٍ أَحْدَثْتُهَا فِيكُمْ لَمْ أُومَرْ بِهَا» ) وَهَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَالْأَحْكَامِ وَالسُّنَنِ الْكُلِّيَّةِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي لَا تَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامٍ كَالنُّزُولِ فِي مَنْزِلٍ مُعَيَّنٍ وَتَأْمِيرِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُشَاوَرَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِقَوْلِهِ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] [آلِ عِمْرَانَ:١٥٩] فَتِلْكَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ تَلْقِيحِ النَّخْلِ: (إِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ) فَهَذَا الْقِسْمُ شَيْءٌ، وَالْأَحْكَامُ وَالسُّنَنُ الْكُلِّيَّةُ شَيْءٌ آخَرُ.
[فصل يَكُونُ اللِّعَانُ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ]
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا، فَتَلَاعَنَا بِحَضْرَتِهِ، فَكَانَ فِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ اللِّعَانَ إِنَّمَا يَكُونُ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِقَامَةُ الْحَدِّ، بَلْ هُوَ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute